القاهرة ــ محمد عبد الرحمن
رتيبة الحفني لم تتعب، ولم تتراجع على مرّ السنوات،
مع انحسار مكانة الفنّ الأصيل في المجتمع! المهرجان الثابت الوحيد المكرّس للموسيقى العربيّة ينطلق الخميس في القاهرة، تحت إشرافها، مشرعاً برنامجه لـ«نجوم» الفضائيات. لكن كيف نحمي الطرب من «وباء» الفيديو كليب؟


كيف يصمد مهرجان سنوي يتيم للموسيقى العربية أمام هذا الطوفان اليومي من الكليبات التي تروّج لقلّة الذوق وشحّ المخيلة؟ سؤال يتكرر سنوياً، كلّما اقتربت فعاليات مهرجان الموسيقى العربية الذي ينطلق مساء الخميس المقبل، حاملاً شعارات تتكرر بدورها من سنة إلى سنة، ووصلت أخيراً إلى الدورة 16 بقيادة رتيبة الحفني، حتى إن هجوم بعض الصحف على الفنانين المشاركين في الأمسيات يكاد يكون متطابقاً كل موسم وإن اختلفت الأسماء.
المهرجان من الناحية النظرية، هو الأبرز على مستوى الوطن العربي، المهموم بأصول الموسيقى الشرقية وروّادها، إضافة إلى كونه موعداً قصيراً لتطهير آذان الجمهور ــــ على امتداد عشرة أيام ــــ من الأغاني السريعة التي تضجّ بها الفضائيات. ويأخذ على عاتقه مهمة تقديم أصوات جديدة كل عام، يعرفها جمهور دار الأوبرا، وتكتب عنها الصحف المتابعة للحدث، ثم يدخل معظمها في طيّ النسيان، إلا في ما ندر.
وتتركز الانتقادات السنوية للمهرجان، بأنّه حدث موسيقي نخبوي، موجّه إلى فئة معينة، تستمتع بالموسيقى الأصيلة داخل مسارح مغلقة. كذلك يخاصم الإعلام المصري هذه الفعاليات، فتخصّص الصحف الحكومية مساحات شبه ثابتة لتغطية إخبارية تكاد تكون متطابقة كل عام. وهنا، يرد القائمون على المهرجان بأنّ الصحافة المصرية ترفض وضع صورة مطربة الأوبرا على الغلاف، وترحب بدانا وماريا ونانا. كذلك يعاني المهرجان عدم تنفيذ توصياته دائماً، وخصوصاً أنّ معظمها عام وغير عملي. على سبيل المثال، طالبت توصيات دورة العام الماضي بـ«الاهتمام بالتذوق الموسيقي الشرقي في المراحل الدراسية المختلفة، وإظهار الأغنية العربية الأصيلة بصورة جيدة مع الاحتفاظ بطابعها العربي الصميم». وكل ذلك، من دون وضع خطة تحرك حقيقية لتنفيذ هذه الشعارات.
إلا أن رتيبة الحفني، رئيسة المهرجان، ترى عكس ذلك. وها هي تؤكد لـ«الأخبار» أن هذه الظاهرة بدأت تتراجع، مراهنةً على أن تأخذ أصوات «الأوبرا» حقّها من الانتشار المحدود حتى الآن. وتشير إلى أن آمال ماهر لن تقف وحيدة في سوق الكاسيت، بصفتها المطربة التي عرفت طريقها إلى شركات الإنتاج التجارية، «وعلى الطريق كل من ريهام عبد الحكيم، ووائل سامي، ومي فاروق، وأخيراً أميرة أحمد التي تعاقدت مع شركة روتانا».
الحفني ترى أيضاً أن المهرجان يقوم بدوره على أكمل وجه، ضمن إطار الإمكانات المتاحة له. وتقول: «يكفي أن تذاكر معظم الحفلات أوشكت على النفاد قبل أسبوع كامل من انطلاقه. هناك جمهور يضرب موعداً سنوياً مع الأصالة، كي يستمع إلى أصوات مصرية وعربية تحترم ذائقته، وتعيد إحياء أشهر أغنيات العمالقة». وإنّ هذه الأمسيات «تمثّل فرصة نادرة لتكريم المبدعين في مجالات الموسيقى العربية المختلفة... فأين يمكن أن تذكّر الصحافة والجمهور بمحمد عبد الوهاب، والباحث العراقي صبحي رشيد، وفنان الخط العربي أحمد عبد العزيز والنقيب الراحل حسن أبو السعود، إلا هنا؟ وهؤلاء هم ضمن قائمة طويلة، سيهديها وزير الثقافة فاروق حسني درع المهرجان الذهبي في حفلة الافتتاح مساء الخميس المقبل على مسرح دار الأوبرا الكبير».
رتيبة الحفني تؤكد أيضاً أن المهرجان يحقق أهدافه عندما يختار الأصوات الجيدة بأسلوب علمي سليم. وتتحدى أي ناقد يشك في القدرات الصوتية للأسماء المدرجة ضمن برمجة هذا العام أو الأعوام السابقة (راجع الكادر). وتضيف: «المهرجان يوفّر للمطربين العرب فرصة نادرة للقاء وتبادل الخبرات. وهو ما يتم في الكواليس حيث تجري البروفات. وهنا أيضاً لا بدّ من الإشارة إلى أن المهرجان يشكّل إضافة مهمة لكل العازفين فيه من أجيال مختلفة». في الوقت نفسه، ترفض الحفني الحديث عن عدم إحداث المهرجان أي تأثير على الساحة، «الفرق بين المهرجان والغناء التجاري أنّ الأخير يعرف طريقه سريعاً نحو جمهور المنازل. لكن الموسيقى العربية نادراً ما تجد محطة تلفزيونية تتبنّاها». لذا تقترح عدم تخصيص محطات مستقلّة لهذا الحدث، «فالأفضل أن تخصص كلّ المحطات المنوعة مساحة جيدة من هوائها للموسيقى الأصيلة كي يتلقاها المشاهد وسط باقي برامج القناة». وتتحفظ الحفني عن الدخول في تفاصيل الصراع الدائر بين المحطات العربية على احتكار حفلات المهرجان، إذ لم يعلن بعد اسم القناة التي فازت بالسباق، فيما علمت «الأخبار» أن الحدث لم يعنِ التلفزيون المصري، وبقي التنافس محموماً كالعادة بين «روتانا طرب»، art... والفضائية القطرية.
وتقدم الدورة 16 للجمهور، اللقاء الأول مع فرقة «الأورمان للموسيقى العربية»، وهي أول أوركسترا كاملة لذوي الاحتياجات الخاصة. كذلك تشارك ضمن الفعاليات أوركسترا «ميستو» العالمية. وتتألف الفرقة التي شاركت في دورتي «جرش» و«قرطاج» الماضيتين، من حوالى خمسين عازفاً من جنسيات متعددة، وتقدم موسيقى إثنية من حضارات مختلفة، بينها الموسيقى العربية الكلاسيكية. وتتميز بدمجها بعض الآلات الموسيقية الخاصة بشعوب العالم المختلفة (التقليدية) مع الأوركسترا السيمفونية.
وينعقد على هامش المهرجان، مؤتمر يناقش قضايا موسيقية متنوعة، على أن يضيء النقاش في الدورة الجديدة على «الملحن العربي المعاصر وتأثيره في ذوق المتلقي» و«سمات الأغنية المعاصرة والموجهة للطفل في وسائل الإعلام».
وتشهد حفلة الافتتاح تقديم أوبريت «عاشق الروح» تخليداً لذكرى محمد عبد الوهاب. ويروي الأوبريت مشاهد من مشواره الفني، على أن يؤدي دور عبد الوهاب الفنان عبد العزيز مخيون، بمشاركة سميرة عبد العزيز (والدته)، أحمد راتب (والده)، رياض الخولي (جمال عبد الناصر)، ندى بسيوني (روز اليوسف)، سامي عبد الحليم (مأمون الشناوي)، ريهام عبد الحكيم (أم كلثوم)، هاني عامر (عبد الحليم حافظ)، أميرة أحمد (صباح)، آيات فاروق (نجاة الصغيرة)، سماح عباس (ليلى مراد)، ومحمد الشرنوبي (عبد الوهاب طفلاً)، وائل سامي (عبد الوهاب شاباً). ويكرم المهرجان أيضاً كلّاً من نادية مصطفى، مدحت صالح، الشاعر صلاح فايز، محمد ثروت، هاني مهنى، الموزع إبراهيم الراديو، الناقد محمد مصطفى. وتستمر الأمسيات حتى 10 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وتتضمن 41 حفلة غنائية على ثمانية مسارح في القاهرة والإسكندرية، يحييها 15 فناناً.

“دار الأوبرا” وصالات أخرى في القاهرة،
1 ــــ 10 ت٢ (نوفمبر)
للاستعلام: 20227390132+ – 20227390144+