strong> عثمان تزغارت
على رغم أن للعمل النقابي في تونس تقاليد عريقة، تمتدّ إلى فترة النضال الوطني من أجل الاستقلال في الخمسينيات، ظلّ القطاع الإعلامي دوماً من المجالات الحسّاسة المحفوفة بالمخاطر والخطوط الحمراء في أيّ نشاط نقابي، يحاول الاقتراب منه أو الانتصار لحقوق العاملين فيه.
وقد مثّل «الاتحاد العام التونسي للشغل»، المنبر المطلبي الرئيسي في البلاد، نظراً إلى الدور البارز الذي أدّاه في الحركة التحريرية، أيام مؤسّسه الشهيد فرحات حشاد، ما خوّل هذا الاتحاد النقابي لأن يصبح، بعد الاستقلال، القوة المعارضة الأبرز في تونس. إذ لم تكن نشاطاته تقتصر على المجال النقابي فحسب، بل امتدت إلى الدفاع عن الحريات الديموقراطية بمفهومها الواسع. وذلك على رغم القبضة الحديدة التي أُحكمت على البلاد منذ سنوات الاستقلال الأولى، في عهد «المُجاهد الأكبر» الرئيس الحبيب بورقيبة، قبل أن يزداد التشدّد أكثر في عهد خلفه زين العابدين بن علي.
وتمثّل حرية الصحافة إحدى «مناطق الظل» الأكثر سلبية في التجربة التونسية، حيث تحتل تونس حالياً المرتبة الـ145 من مجموع 169 دولة، في الترتيب السنوي لحرية الصحافة الذي تعدّه منظمة «مراسلون بلا حدود». وهذا الوضع المزري في مجال حرية الصحافة، لا يتماشى مع المنجزات المهمّة التي حقّقتها تونس في مجالات الاقتصاد والعصرنة الاجتماعية. الأمر الذي دفع بـ«الاتحاد العام التونسي للشغل» إلى المبادرة أخيراً بالدعوة إلى عقد اجتماع لتأسيس نقابة للصحافيين التونسيين، بتاريخ 28 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي. وجاءت هذه المبادرة في سياق الرهان على الخطوات الانفتاحية التي يعتزم النظام التونسي القيام بها، في مناسبة مرور عشرين عاماً على «تجربة التحوّل». وهو المصطلح الذي يُطلق في الأدبيات الرسمية التونسية على الحركة الانقلابية التي أطاحت بورقيبة على يد وزير داخليته، الرئيس الحالي زين العابدين بن علي، في 7 تشرين الثاني (نوفمبر) 1987. لكن الاجتماع الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل لم يلبث أن أُعلن عن إلغائه لأسباب غامضة، قبل ثلاثة أيام من موعد انعقاده، ما دفع بنحو 300 صحافي تونسي إلى الأخذ بزمام الأمور، فعقدوا جمعية عامة بتاريخ 26 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي، أعلنوا خلالها تأسيس نقابة مستقلّة، أطلقوا عليها اسم «النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين».
يقول زياد الهاني، عضو الهيئة المديرة لجمعية الصحافيين التونسيين، إن تأسيس النقابة يمثل نقلة نوعية في تاريخ الصحافة المحلية، إذ إنها ستمكّن الصحافيين التونسين للمرة الأولى، من المشاركة بشكل مباشر في المفاوضات مع مديري الصحف حول حقوقهم. كما يؤكد أن هذه هي الخطوة الأولى من مشروع، هدفه إعطاء النقابة الحق في مراقبة المهنة، ما يعني أن تكون سلطة تنظيمية، تراقب احترام ميثاق الصحف. ويشار إلى أن النقابة ستنعقد خلال هذا الأسبوع، لتحضير الوثائق المطلوبة حتى تصبح قائمة قانوناً. وفيما عملت معظم صحف تونس ـــــ حتى الحكومية منها ـــــ على تغطية خبر النقابة، هل يسهم ميلادها في تحقيق مزيد من الحرية للإعلاميين في بلد فرحات حشاد حيث ما زال كثيرون منهم عرضة للملاحقة والمضايقات؟ وبين هؤلاء، المدير السابق في صحيفة «الفجر» المقرّبة من التيار الإسلامي. وكان علي العريض قد قضى 15 عاماً في السجن، ثم أُطلق سراحه ضمن 1600 سجين سياسي شملهم العفو الرئاسي، في شباط (فبراير) 2006. لكنه ما زال منذ إطلاق سراحه، يعاني الإقامة الجبرية.
من سجناء حرية الصحافة أيضاً، ناشط حقوق الإنسان محمد عبّو الذي اعتُقل إثر نشره مقالة، انتقد فيها الرئيس بن علي على الإنترنت. حدث ذلك عام 2005، في الوقت الذي كانت فيه تونس تحتضن القمة العالمية لمجتمع المعلوماتية! وتخوض سامية عبّو إضراباً عن الطعام منذ 13 آب (أغسطس) الماضي، احتجاجاً على الظروف المُجحفة التي يعانيها زوجها في السجن.