بشير صفير
تتنامى الموجة الموسيقية العربية المواجهة للأغنية المعلّبة يوماً بعد يوم، وتنقسم إلى فئتين: التيار الجديد البديل والتيار الأصيل الحريص على التراث الذي يضع في أولويّاته مهمة إحياء التراث بأمانة وتقديم الجديد لكن المحافظ. وإلى هذه الفئة، تنتمي فرقة «طويس» السورية التي أسسها عام 2004 عازف العود عصام رافع، رئيس قسم الموسيقى العربية في المعهد العالي للموسيقى في سوريا، وقائد الفرقة الوطنية السورية للموسيقى العربية.
تعتمد الفرقة تركيبة التخت الشرقي وتضم إلى جانب رافع، موسيقيين متمكّنين من آلاتهم وأساتذة في مجالاتهم، هم فراس شارستان (قانون)، مسلم رحال (ناي) وراغب جبيل (إيقاع).
الفرقة التي يحيل اسمها على المغنّي طويس (من الجزيرة العربية) الذي كان رمز الابتكار الموسيقي في العصر الإسلامي، أصدرت أخيراً أول أسطوانة لها بعنوان «إنسان» (INCOGNITO) حوت ثماني مقطوعات موسيقية تنقسم بين كلاسيكيات مستعادة من التراث الشرقي القديم والحديث، إضافةً إلى مؤلفات جديدة لعصام رافع.
تبدأ الأسطوانة بـ«سماعي بيات» للمؤلف السوري المعاصر حسان سكاف، وهي مقطوعة اعتمد فيها شكل ألف ــــــ باء ــــــ ألف، إذ تتغير الموضوعة الموسيقية الأساسية كما الإيقاع بين الألف والباء. أبرز ما في هذه المقطوعة الاتجاه التلويني الجميل في أداء آلة القانون ومشاركة آلة التشيلو (محمد نامق) في جمل لحنية أساسية وأخرى بالتناغم مع الأولى. وهذا أمر غير بديهي لآلة يصعب استخراج منها أرباع الأصوات التي يفرضها هنا مقام البيات.
تليها مقطوعتان من تأليف عصام رافع: «إنسان» التي يمكن إدراجها في خانة الموسيقى التصويرية. إذ تعرض من خلال الجملة اللحنية والإيقاع أيضاً، حالات وجدانية من حزن وحلم وفرح، وتنتهي مع تسارع تدريجي للإيقاع تتبعه صحوة من حلم يقظة. «ثرثرة» أيضاً لرافع، يغيب عنها الإيقاع بسبب عشوائية الجمل الموسيقية في منازلة ثنائية بين العود والقانون، وأسئلة يطرحها القانون وتلقى جوابها من العود في عزف للجملة نفسها. ومن ثم «سماعي عجم» لمحمد عبد الكريم، وهي المقطوعة التي تتخذ عنوانها من المقام الشرقي المحمّل بأحاسيس ثقيلة تنجح الفرقة في إيصالها في الجمل اللحنية الأساسية كما في الفواصل القصيرة.
في الأسطوانة محطة مرتجلة بعنوان «ومضة» مناخها مستوحى من دون شك من مقطوعة «إنسان». تلفت فيها أولاً ارتجالات الناي التي تلقى امتداداتها عند العود والقانون والإيقاع، ويتجه العازفون تدريجاً إلى انخطافات واندماج تام ينتهي بالانطفاء.
«سماعي نهاوند» من كلاسيكيات الموسيقى الشرقية للمؤلف العراقي من أصل فلسطيني روحي الخماش، يشارك فيها التشيلو في عزف منكفئ على رغم سهولة عزف هذا المقام الشرقي (نهاوند) على هذه الآلة ذات الأصول الغربية. وربما يعود ذلك إلى توجه للحفاظ على روحية التخت الشرقي وأصالته، فلا يلتقط المستمع بسهولة إلا الانفراد في متابعة جملة لحنية قالتها الفرقة وتتهيّأ لتستسهل
أخرى.
في ختام الألبوم، تستعيد الفرقة مقطوعتين شائعتين جداً: «لونغا» للموسيقي التركي الشهير جميل بك. وقد استطاعت «طويس» تلوينها بإضافات أخرجتها عن المألوف عبر ملء مساحات الصمت بنوتات تصل أقسام الجملة الأصلية، إضافة إلى عرض جمل أخرى كروماتيكياً، أي اعتماد نصف الصوت كمساحة انتقال بين نوتتين متتاليتين في الجملة الواحدة. ومسك الختام في رائعة العملاق محمد القصبجي «ذكرياتي» التي يتولى مطلعها العود والقانون في عزف ثنائي مع إضافات للأخير، ويوافيهما الناي للشروع في تقديم هذه المقطوعة الصلبة غير البديهية في تركيبتها وبالتالي جملها اللحنية، إضافة إلى غناها في تنوعها المقامي والإيقاعي.

«إنسان» ــــ إصدار INCOGNITO في بيروت
للاستعلام: 320642/01