الرباط ــ ياسين عدنان
حددت الحكومة المغربية قواعد تعاطي الإعلام المرئي والمسموع مع المرشحين لدخول البرلمان، عبر توزيع ساعات البثّ بين مختلف الأطراف السياسية. كيف تنعكس هذه السابقة، الأولى من نوعها في العالم العربي، على الحياة السياسية في المملكة حيث تنطلق الانتخابات التشريعيّة يوم الجمعة المقبل؟

من أجل الحصول على مقاعد في البرلمان، يحرص رجال السياسة على التسلّل إلى «قلوب الجماهير» عبر شاشات التلفزيون... هم مستعدّون للحديث بشهية مفتوحة وحماسة فائقة عن أدقّ الفوارق بين كسكس مراكش وكسكس فاس، إذا لم يجدوا غير برامج الطبخ أمامهم... فالأهم بالنسبة إليهم هو التقرّب بأي وسيلة إلى هذه الحشود المجهولة التي ستصوّت لأحدهم يوم الاقتراع.
وفي المغرب التي تشهد في السابع من الشهر الجاري معركة الانتخابات التشريعية، حاولت «الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري» (الهاكا)، للمرة الأولى في تاريخ الاستحقاقات التشريعية المغربية (والعالم العربي)، أن تضع أسساً لحرب الإعلام الانتخابية، وذلك عبر تحديد عدد من القواعد التي تكرّس مبدأ التعددية وتضمن للأحزاب الولوج المنصف إلى وسائل الاتصال السمعية البصرية. هكذا، مثلاً، في الفترة التي سبقت يوم 25 آب (أغسطس)، وهو تاريخ الانطلاق الرسمي للحملة الانتخابية، كانت «الهاكا» ضمنت للأحزاب المغربية، (وعددها 34)، 170 ساعة بث، وفَّرها القطاع السمعي البصري المغربي، بشقّيه العمومي والخاص، وبمساهمة 13 محطة إذاعية وتلفزيونية.
وهكذا تواصل 875 متحدّثاً سياسياً (بين ناشط ومرشّح ونائب) مع المواطنين خلال النشرات الإخبارية، إضافة إلى 42 برنامجاً سياسياً بثّها المتعهدون السمعيون البصريون بمعدل ساعتين ونصف ساعة تقريباً في اليوم. وحتى بالنسبة إلى المتسلّلين إلى برامج الثقافة والرياضة والطبخ والمنوعات، فقد احتُسب مرورهم من أجل ضمان نسب ولوج عادلة لمختلف الفُرَقاء السياسيينولأن ساعة الحقيقة تفضح الجميع، فإن الحزبيّين الذين كانوا يتهافتون على الظهور في قنوات التلفزيون قبل أسابيع، وجدوا صعوبة في تدبير الوقت الرسمي المخصص لهم زمن الحملة التي تستمرّ حتى السادس من الشهر الجاري. يومياً، قبل نشرات أخبار الظهيرة والمساء على القناتين «الأولى» و«دوزيم»، يلتقي المشاهدون مع أعضاء الأحزاب السياسية. بعض هذه الإطلالات، يمكن برمجتها بسهولة كوصلات فكاهية في رمضان، وبعضها الآخر كفيلٌ بأن يعيد الثقة بالنفس، لأكسل التلاميذ وأكثرهم تلعثماً. وطبعاً هناك مرشحون آخرون، نجباء إلى حدّ كبير، يقرؤون برامج أحزابهم من دون أخطاء في النحو والإعراب، تماماً كتلاميذ متفوقين في درس التلاوة. هذا مع الإشارة إلى أن الجميع تقريباً يقرؤون «الإنشاء» نفسه، فأغلب الخطباء يقولون الكلام نفسه، كأننا في عملية «كاستينغ» يجرّب خلاله الممثلون تقديم النص نفسه.
لا شكّ في أن تواصل رجال السياسة عبر وسائل الإعلام مسألة ضرورية، فمشروعية الأحزاب السياسية توجد لدى الشارع ولدى المواطنين. ولكن لا يكفي أن يمر السياسي في التلفزيون، إذ الأهم هو كيف سيمرّ؟ وما نوع التأثير الذي سيخلفه في الرأي العام؟ لم تتردد صباح بنداود، مسؤولة خلية التعددية في الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون في انتقاد أداء الأحزاب على صفحات الجرائد المغربية، مطالبةً بإعادة بناء علاقة السياسي بالإعلام في المغرب على قواعد جديدة. وتضيف بنداود: «إن أحزابنا مطالبة بإعادة إنتاج آليات جديدة للتواصل، بل يمكنهم أن يلجأوا إلى مؤسسات متخصصة في هذا المجال. أتذكّر أن البرلمان الفرنسي قام في مرحلة سابقة بتنظيم دروس للبرلمانيين في مجال التواصل وطريقة إلقاء الخطب. وليس عيباً أن يعود السياسيون عندنا إلى مقاعد الدراسة، ليتعلموا قواعد التواصل».
أمّا الصحافة المغربية فلم تتردّد في وصف هؤلاء السياسيين بلاعبي كرة القدم الذين لا يدخلون الميادين إلا نادراً. لذا من الطبيعي، حينما ينزلون إلى المعترك التلفزيوني بغتة وبلا تمارين مسبقة، أن يتفوقوا بعضهم على بعض في إضاعة الفرص ببشاعة. لكن إضاعة الفرصة أمام المرمى التلفزيوني قد يكلف الواحد منهم مستقبله السياسي! مستقبل يعرف سياسيو أميركا وأوروبا كيف يصنعونه أمام الشاشة ومن خلالها، وهو ما يستدعي إضافة إلى الفطنة وحضور البديهة، ضرورة احترام ذكاء المشاهد... والتخلّي عن لغة الخشب.