حسين بن حمزة
كان غالب هلسا محظوظاً مرتين: مرة حين تزامنت بداية تجربته الروائية مع اكتمال النموذج السردي المحفوظي الذي مهّد لظهور جيل الستينات في مصر. ومرة حين شاءت الظروف أن يكون الكاتب الأردني، في عداد هذا الجيل وأحد أسمائه الأساسيين، إلى جوار صنع الله إبراهيم وإبراهيم أصلان وإدوار الخراط وعبد الحكيم قاسم وخيري شلبي... لم يفعل غالب هلسا ذلك في مصر فقط، بل انخرط في الجو الأدبي والثقافي في كل البلدان التي أُجبر على العيش فيها.
لكن فرادة هذا المنفي الأبدي ليست محصورة هنا. لقد أُتيح لهذا الكاتب الذي منع من العودة إلى بلده أن يكتب بعض أفضل الروايات المصرية («الضحك»، «الخماسين»، «السؤال»، «الروائيون»)، حتى إنّ عدداً من النقاد وصفوه بالروائي الأكثر تمثيلاً لجيل ما بعد محفوظ. وكتب واحدة من أهم الروايات العراقية («ثلاثة وجوه لبغداد»)، قبل أن يتفرغ لإنجاز العمل التأسيسي الأهم في الرواية الأردنية («سلطانة»).
لم يعش غالب هلسا كرحالة أو كمنفي عادي، ولم يكتب الرواية من وحي تجربته وإقاماته المتعددة فقط، بل كان مشاركاً فاعلاً وصانعاً للمشهد الثقافي أينما حلّ. فهو لم يكتب روايات عن مصر، بل كتب روايات مصرية، وكذلك الحال في العراق والأردن.
تجربة غالب هلسا تدفعنا إلى زحزحة الانتماءات المسبقة، وتجاوز التحقيب التقليدي للأجيال والتيارات الأدبية. إنه يستحق، بجدارة، أن نمنحه أكثر من جنسية روائية.