الرباط ـــ ياسين عدنان
حينما صعدت رجاء بلمليح أول مرة أمام الجمهور المغربي في العام 1979 لتشارك في نهائيات برنامج «أضواء المدينة»، تنبأ الجميع لهذا الصوت الخافت الطري، بالتألق. وفعلاً، في السنة التالية، ستنال رجاء (مواليد 1962) الجائزة الأولى لهذا المهرجان بأدائها المتميز لرائعة أم كلثوم «وحقك أنت المنى والطلب». ومع بداية العام 1987، ستنزل إلى الساحة الفنية المغربية رسمياً، وبألبوم قوي. كانت محاطة باسمين كبيرين، اتفقا على رعايتها: الشاعر المغربي المتميز عبد الرفيع الجواهري، رئيس اتحاد الكتاب السابق، والملحن حسن القدميري. كان الاختيار واضحاً والتميز جلياً. لذا، جاء ألبومها الأول «يا جار وادينا» ليكرّس العربية الفصحى كاختيار فني وجمالي. وتوالت الأغاني المتميزة: «اسمها حرية»، «مدينة العاشقين»... و«أطفال الحجارة» التي منع وزير الداخلية السابق إدريس البصري، بثّها في الإذاعة والتلفزيون. وها هي بلمليح ترحل عن دنيانا اليوم في الأسبوع نفسه الذي رحل فيه غريمها القديم.
انتقال «جارة الوادي» من المغرب لتبدأ رحلة التألق العربي، جعل المغاربة يعتبرونها على الدوام سفيرة فوق العادة. صحيح أن غناءها باللهجة الخليجية، جعل جزءاً من جمهورها المغربي يحسّ ببعض الغبن. فالفنانة التي ترفعت دائماً عن الغناء باللهجة المغربية، لم تتردد في الغناء بلهجات «شقيقة». لكن قيمة الأغاني التي قدمتها أفحمت الجميع...
في عيد ميلادها الـ41 يوم 22 نيسان (أبريل) 2003، ستتلقى رجاء أسوء خبر في حياتها: جارة الوادي الرقيقة مصابة بالسرطان. أخفت الخبر عن لشهريين متتاليين قبل أن تقرر إذاعته، لتبدأ رحلتها مع العلاج الكيميائي. وليلة السبت المنصرم، حينما كان فنانين مغاربة متحلّقين حول وزير الاتصال نبيل بنعبد الله في مدينة تمارة، في تجمع انتخابي نظمه حزب الوزير هناك، جاء هاتف صاعق يتحدث عن غيبوبة رجاء. انتقل الجميع إلى مستشفى الشيخ زايد بالرباط للاطمئنان على صاحبة «صبري عليك طال» التي نقلت إلى المستشفى، بسبب إصابتها باختناق حاد. ويوم الأحد عند الواحدة ظهراً، غاب «الهلال المغربي الجميل»، فجأة في عزّ تألقه. أما الذين رافقوا جثمانها بعد صلاة الظهر إلى مقبرة الشهداء في الدار البيضاء أمس، فقد كانوا يعلمون حجم الخسارة التي حلت بالفن المغربي. رحلت قبل أن تحقق حلمها بالظهور أمام الكاميرا، ممثلةً في فيلم مغربي مع رشيد فكّاك، وماتت قبل أن تصدر للمغاربة ألبوماً يعيد الاعتبار للهجتهم.