بيار أبي صعب
جمال الغيطاني كاتب يستعصي على التصنيف، شيّد عالمه الأدبي في ربوع التراث، فإذا به راهناً وحديثاً. وصاحب «الزيني بركات» مثقف مزعج، لا يتعب من خوض المعارك، وإشعال الحرائق. يسمي الأشياء بأسمائها، في زمن رديء دجّن فيه المثقفون، وقايض المناضلون جراحهم بحفنة من الدولارات، واستلقى كبار المبدعين في أحضان السلطة.
هذا الكاتب المصري يقف على أنقاض مجتمع يتهاوى. بعد صدور كتابه «استعادة المسافر خانه: محاولة للبناء من الذاكرة» (دار الشروق)، باح عاشق القاهرة الفاطمية بألمه الدفين: «يساورني شعور في السنوات الأخيرة بأنّ العالم يضيع، وأنا أيضاً». وها هو يطلّ من فوق منبر أكاديمي، ليطلق صرخته الغاضبة ضدّ سياسة تخريب الروح التي تتهدّد قاهرة المعزّ. بدءاً بالعمارة، وانتهاءً باللغة!
خلال محاضرة ألقاها رئيس تحرير «أخبار الأدب» عن العولمة وتأثيراتها، بدعوة من «منتدى الحوار بين الحضارات» في جامعة القاهرة (كلية الاقتصاد والعلوم السياسية)، تطرّق فيها إلى الدور التخريبي الذي يمارسه رأس المال على الثقافة، في سياق العولمة. التقط الحاضرون أنفاسهم ليسمعوا كلاماً مرّاً: «يدخلون الى ساحتنا الثقافية والاقتصادية من باب الاستثمار الذي يكسبون منه الكثير، فلا يقدمون سوى تخريب الحياة الثقافية والفكرية». وأعطى الغيطاني مشاريع الوليد بن طلال المعماريّة مثالاً: «عمارة شرسة ومتوحشة فيها الكثير من البذخ وعدم مراعاة جماليات البيئة وروحها». ثم انتقل إلى «القنوات الفضائية التي تقوم بتخريب الفن والثقافة». قبل أن يختم: «لست خائفاً من إسرائيل لأنها غير قادرة على تزييف الوعي، وقتل الروح، كما نفعل بأنفسنا نحن العرب»!
هل نخبره عن مشروع الحكومة اللبنانية برفع الحماية عن أحياء بيروت التراثيّة، لتصبح لقمة سائغة للهمجيّة نفسها التي تلتهم مدينة الألف مئذنة؟