إعداد باسم الحكيم
كان يا مكان... نجوم الزمن السعيد


الشاشة اللبنانية تلتفت إلى رموزها هذه الأيام، وتحنّ إلى العصر الذهبي لتلفزيون لبنان. من يذكر هؤلاء الذين رافقوا سهراتنا، أيام الدهشة الأولى أمام الصندوق الصغير؟ وجوه غابت في مثل هذا الشهر، يليق بها التكريم... وزياد مكوك يطل في «ساعة وفا» هذا المساء، كأنّه الناطق الرسمي باسم جيل المؤسسين... نجوم صنعوا مجد شاشة لم يعد يشاهدها أحد...

حكمت وهبي
«يا رضا الله ورضا الوالدين ورضا أعزائي المستمعين»... لطالما ردّد حكمت وهبي هذه العبارة، كلّ صباح، عبر أثير «راديو مونت كارلو» في برنامجه اليومي «فنجان قهوة سكر زيادة». ومن 21 أيلول (سبتمبر) 1992 إلى أيلول 2007، خمسة عشر عاماً مضت على رحيله... لكن أميغو، ما زال نجماً ساطعاً في عالم الفن والإعلام والإذاعة.
عام 1951، أبصر الابن البكر لفؤاد وهبي، موظف بنك أنترا، النور في بلدة بطمة الشوفية. وفي مطلع السبعينيّات، لاحظ بيار جدعون وإدمون حنانيا موهبته، فطلبوا منه مشاركتهما التمثيل في «مسرح الساعة العاشرة» على خشبة «كازينو لبنان» حيث قلّد فيروز، صباح، صونيا بيروتي، نجيب حنكش... ثم ابتسم له الحظ، يوم زار الفريق الإذاعيّة المصريّة سناء منصور. يومها، عرضت منصور على حكمت وهبي العمل في «مونت كارلو» الناشئة حديثاً، فلبّى الدعوة عام 1976. وهناك تميّز بإدخال اللهجة العامية إلى الأثير، بعدما كانت الفصحى هي السائدة. تألّق مذيعاً، ينسج عباراته من أوتار صوته، ومقلّداً بارعاً يشهد له الفنانون والإعلاميون الذين وقعوا «ضحيّته» ببراعته وظرفه.
سرّ نجاحه، بحسب شقيقته فاديا، يعود إلى كونه «خاطب الأمهات كأنهنّ أمه، وتوجه إلى الفتيات كأنهنّ أخواته، وتحدث إلى الأطفال كأنهم أولاده». وهو حاكى الأطفال بلغة قريبة إلى القلب، وبعيدة عن التصنّع، في 300 حلقة من «ملاعب الصغار» على تلفزيون لبنان. ويتذكّر المخرج نقولا أبو سمح: «يوم كنتُ أبحث عن شخصية قريبة من القلب لتقديم البرنامج، لم أجد سوى حكمت». شارك ممثّلاً في فيلم «حسناء وعمالقة» للمخرج سمير الغصيني، وغنّى «تمارا» في فيلم «آخر الصيف». وشارك في مسلسل «وبقي الحب» مع عبد المجيد مجذوب وآمال عفيش. لم يحترف الغناء، لكنه غنّى «يا مسافرة»، «إنت وحدك»، و«نطروني»...
آثر أن يمضي أيامه الأخيرة بين أهله. في 10 شباط (فبراير) 1992، ودّع جمهور «فنجان قهوة سكر زيادة»، لينصرف إلى رحلة العلاج مع السرطان، بانتظار ولادة ابنه جاد الذي أبصر النور قبل رحيله بأشهر. في ذكراه الأولى، طالب رياض شرارة بإطلاق اسمه على إحدى قاعات كليّة الإعلام، لكن شرارة توفيّ قبل أن تلقى الدعوة آذاناً صاغية.

رياض شرارة
«اجعل كلّ يوم إنساناً سعيداً، حتى ولو كان هذا الإنسان هو أنت بالذات». تصادفك هذه العبارة عند زيارتك منزل الراحل رياض شرارة... هذا الإعلامي الذي أبقى برامج مثل «باب الحظ»، «الأوّل عل LBC»، «درج الفن» وسواها، محفوظةً في ذاكرة الناس، على رغم مرور 13 عاماً على رحيل صاحبها الذي يُضرب به المثل عندما نتحدث عن كبار الإعلاميين، وموسوعية الثقافة والحضور المحبب.
أمضى ثلاثين عاماً في مجال الإعلام، متنقلاً بين الإذاعة والتلفزيون والصحافة المكتوبة. تنوّع عطاؤه بين إعداد البرامج وتقديمها، إضافة إلى إسهاماته في الشعر والكتابة والترجمة. لكنّ دخوله هذا العالم كان عن طريق الصدفة: خلال إحدى السهرات في قهوة «اللاروندا» في ساحة البرج، نصحه أحد الأصدقاء بأن يجرّب حظّه في الإذاعة التي كانت تبحث عن مواهب لإعداد البرامج وتقديمها. وبالفعل، لم يتأخر حتى أجرى امتحاناً واختير ليعدّ أوّل برنامج مسابقات في لبنان والعالم العربي «صفر أو عشرين» عام 1962 الذي استمر 12عاماً. وفي ما بعد عمل مراسلاً لراديو BBC لبضعة أشهر.
يصفه جان كلود بولس بـ «مذيع الارتجال المحضّر»، ويرى فيه «شخصيّة إعلاميّة بارزة في المجتمع، لأن إطلالته وحضوره، جعلا منه صديقاً لكلّ بيت». دخل التلفزيون مذيعاً لنشرة الأخبار، لكن أجواء السياسة لم تناسبه. انتقل سريعاً إلى المنوعات، وقدم «صيف ونغم» (1970) للمخرج ألبير كيلو الذي كان يصوّر بين الناس. ثم «نجوم ولقاء» الذي التقى فيه أهل الإعلام والأدب والفن في العالم العربي. أما مع الأخوين رحباني، فقدّم «ساعة وغنية». ويتذكره منصور «رفيقاً في السهرات والصيد، وأيّام الحرب أيضاً». وبعيداً عن التقديم، مثّل في مسرحيّة «هالو بيروت» لمروان وغدي رحباني، وغنّى فيها «مين عذبك» لعبد الوهّاب، وشارك عصام رجي وميريام غناء «هلّق خلصنا». كذلك أصدر مجموعة من الألبومات الشعريّة، بينها «السيّدة حبيبتي»، «عاشق بالولادة» و«عاشق حتى الشهادة». وقد زخر مشواره بعدد من البرامج منها: «شو رقمك»، «الحروف تغنّي»، «أغنيات في البال»، «استعراض الأسبوع» و«سهريّة»... وفي 24 أيلول (سبتمبر) 1994، وافته المنية إثر جلطة دماغية.

ابراهيم مرعشلي
في كل مرة يعيد «تلفزيون لبنان» عرض «المعلمة والأستاذ» للمخرج أنطوان ريمي، يحقّق المسلسل نسبة مشاهدة عالية، كأنه يقدّم للمرّة الأولى. هكذا يتحلّق المشاهد لساعة واحدة فقط أمام القناة الرسمية التي هجرها منذ زمن، ليتابع بشغف «تضحيات» المعلمة هند أبي اللمع والأستاذ ابراهيم مرعشلي والناظرة ظريفة (ليلى كرم) في سبيل «محو الأمية»... ليس هذا هو المسلسل الوحيد الذي حقّق شهرة ابراهيم مرعشلي ونجاحه ممثلاً وكاتباً درامياً، فمسلسل «ابراهيم أفندي» الذي شاركت فيه فريال كريم وهلا عون، و«الكابتن بوب» مع المخرج فارس الحاج، أخذا نصيبهما أيضاً من المشاهدة. إضافة إلى رحلة البطولات التلفزيونيّة التي استمرت بنجاح في ما بعد مع «برج الحب» على «المستقبل» و«سكرتيرة بابا» على «تلفزيون لبنان». تميّز ابراهيم مرعشلي بحضوره المحبّب في الدراما التي بدأها مع صلاح تيزاني. وأبو سليم يتذكر جيداً يوم عرّفه مدير البرامج في التلفزيون عز الدين صبح، إلى الشاب الطموح ابراهيم مرعشلي. ويقول: «يومها كان ابراهيم رسّاماً في بداية الطريق، يحب التمثيل وينتظر فرصته... وبالفعل أسندت إليه دوراً صغيراً في برنامج «مسرح الفكاهة» مطلع الستيّنيات، قبل أن يعمل مع كبار المخرجين ومنهم باسم نصر، غاري غربتيان، ومع الراحل محمد شامل في «يا مدير»». انطلقت شهرته من أيّام المسرح الوطني الذي أسّسه حسن علاء الدين (شوشو) تمثيلاً، ونزار ميقاتي إخراجاً. وشارك في مسرحيات عدّة منها «شوشو بك في صوفر»، «عدس وكافيار»، «حيط الجيران»، «وصلت للـ 99». وبعد انضمامه إلى قافلة الراحلين من الفرقة (فريال كريم، ماجد أفيوني وعبد الكريم عمر)، لم يبقَ من أبطال المسرح الوطني سوى زياد مكّوك وسمير شمص.
في بداية الثمانينيات، قدم مع الممثلة رولا حمادة برنامج «أغاني ومعاني» على «تلفزيون لبنان». وفي أواخر التسعينيات، شارك مي متى تقديم برنامج «أهلاً بهالطلة». ولم يكتف بالمسرح والتلفزيون، بل شارك في بطولة أفلام مصريّة ولبنانيّة عدّة منها «أجمل أيّام حياتي» أمام حسين فهمي ونجلاء فتحي، و«باريس والحب» أمام صباح ويوسف شعبان عام 1971. كذلك عرف كيف يستقطب الأنظار بدور الشرير في فيلم «موعد مع الحياة» مع إلسي فرنيني. رحل ابراهيم مرعشلي في 15 أيلول (سبتمبر) 2004 بعد تدهور حالته الصحية، وبقائه ستة أسابيع في غرفة العناية الفائقة.

إيلي ضاهر
مرّ العمر من دون أن يأخذ إيلي ضاهر فرصته الأولى... ظلّ ممثلاً مسانداً في الدراما التلفزيونيّة وعلى خشبة المسرح. ومع ذلك، فإن إطلالاته لم تمر مرور الكرام، لأن هذا الممثل المحترف بالفطرة، عرف جيّداً من أين تؤكل الكتف.
انطلق إيلي ضاهر من منطقة فرن الشباك حيث ولد عام 1932. أسّس في أواخر الأربعينيات مع ميشال تابت وجورج قاعي فرقة «الأرز» المسرحيّة، التي قدمت أعمالاً على مستوى ضيّق وبإمكانات متواضعة. وقبل استكمال رحلته مع الفن، عرّج على إحدى دور السينما في بيروت، حيث كان يرسم «أفيش» الأفلام ويلوّنها. ولم يتأخر الحظ حتى ابتسم له، يوم سمع إعلاناً في محطة الشرق الأدنى للإذاعة العربيّة. لم يجد قبولاً من اللجنة في المرحلة الأولى، بحجة أنّ لهجته جبلية، لكنّ أحد القيّمين على الإذاعة أعاده ممثلاً في الدراما الإذاعيّة. وتتلمذ يومذاك على أيدي عبد المجيد أبو لبن، صبحي أبو لغد وغانم الدجاني.
شارك ضاهر في مسلسلات لمحمد شامل، وتوطدت علاقته به، لينفذا معاً مجموعة من البرامج. يومذاك، كان شوشو في بداياته، وكان يسند إليه أدواراً صغيرة في أعماله.
عند ولادة التلفزيون، كان إيلي ضاهر من أوائل الوجوه التي ظهرت على الشاشة. وبعد لقائه بـ«أبو ملحم» ـــــ كان جار العائلة في منطقة عاليه ـــــ أسند إليه دوراً صغيراً في الحلقات الأولى، قبل أن يتحوّل إلى ممثل أساسي في العمل.
في منتصف الستينيات، مثّل ضاهر في مسرحيّة «عيلة أبو المجد» التي اقتبسها محمـد شامــــــل من المســـــرح العالمي وأخرجهـــــا محمد كريم. كذلك أطلّ إلى جانب نبيه أبو الحسن في «نابليون وأخوت شنـاي»، ثم رافقه حتــــــى مسرحيّــــــــة «أخوت حتى الحريّـــــة» عام 1985. أما تلفزيونيّاً، فقــــــد شارك أيضاً في أعمال عدة من كتابته بينهــــــا: «كانت إيام»، «أبوبليق» و«شباب 73» و«أبو طحين» للمخرج جورج غيّاض. ويعتبر عبد المجيد مجذوب، أن «ضاهر كان أستاذاً، هو من أكثر الممثلين إتقاناً للدور»، مستذكراً الأعمال التي حصدت النجاح ومنها «عازف الليل» و»لا تقولي وداعاً».
وإلى جانب التمثيل، كان ضاهر مُخرجاً في الإذاعة، ونفّذ أعمالاً عدة، منها مع أنطوان غندور في برنامج «هل تعلم». توفي إيلي ضاهر في 7 أيلول (سبتمبر) عام 1986، بعدما اشتدت عليه وطأة المرض.

إيلي صنيفر
لم يسمح «القدر» للراحل إيلي صنيفر بأن يتوّج آخر المشوار بمسلسلات كان يحلم بتقديمها. أراد اختتام رحلة الفن التي بدأت قبل خمسة عقود، بجملة أعمال أوّلها «كبروا الحبايب» وهو الجزء الثاني من مسلسل «ست الحبايب»، «الضياع»، و«كواليس»... الا أنه رحل قبل تنفيذ أي منها، «لأنني لم أجد جهة الإنتاج ولا المخرج «القبضاي» المناسبين»، كما كان يقول.
إيلي صنيفر لم يقل كلمته الأخيرة. غُيّب في السنوات الأخيرة عن الدراما التلفزيونيّة منذ «كومبارس» على تلفزيون لبنان، أواخر التسعينيات، وأطل إذاعيّاً فقط عبر الإذاعة اللبنانيّة. ومهما غاب عن الشاشة، لا شكّ في أنّ شخصية «أحدب نوتردام» التي جسّدها ببراعة فائقة في مسلسل «الأخرس» من إعداد أحمد العشي، وحصد عنها وسام الاستحقاق اللبناني من رئيس الجمهوريّة السابق سليمان فرنجيّة، تبقيه في البال.
أكثر ما كان يفاخر به الراحل هو أنّه أول وجه ظهر على «قنال 7» في « تلفزيون لبنان»، يوم 28 أيّار (مايو) 1959. لكن مشواره الفني الطويل جعله يعتز بكونه أحد رواد الدراما التلفزيونيّة من خلال أعماله «حكمت المحكمة»، «قوافل الأحرار»، «يوضاس»، وكذلك في الكوميديا الاجتماعيّة «ست الحبايب يا بابا»، «يسعد مساكن» مع الراحل أديب حداد (أبو ملحم) الذي قدم 750 حلقة تلفزيونيّة، استمر عرضها عشرين عاماً بين 1960 و1980. فضلاً عن «أربع مجانين وبس» كتابة أنطوان غندور، و«الدنيا هيك» مع الراحل محمد شامل. كذلك لا ننسى مشاركته المحببة في مسرحيّة «ميس الريم» للأخوين رحباني بدور مختار المخاتير إلى جانب السيدة فيروز. إيلي صنيفر توفي متأثراً بأزمة قلبية عن 70 عاماً ـــــ ليس في أيلول (سبتمبر) ـــــ بل في 30 آب (أغسطس) 2005.


الرهان مستمر


زياد مكوك

لم يتمكن زياد مكوك من تحقيق حلمه بإقامة مسرح شعبي في بيروت. دقّ عشرات الأبواب، ورشّح نفسه للانتخابات النيابية وعرض أثاث منزل والده للبيع... كل ذلك لتنفيذ المشروع الذي لم يجد آذاناً صاغية. هو حلم الطفولة التي بدأها في سهرات زقاق البلاط حيث لقب بـ«عنتر» الحكواتي الصغير في سن الخامسة. انطلق مع الهواة ليقدّم مسرحية «أريد أن أمثل» (نص توفيق الحكيم). عرّفه محمد كريم بمحمد شامل ليبدأ في «يا مدير»، قبل انطلاقته على خشبة المسرح الوطني...
يطلّ أحد أبطال «الدنيا هيك» في «ساعة وفا» مع ميشال الحوراني، في حلقة صُوّرت قبل شهرين، أي قبل إصابة مكوك بانتكاسة صحية... ويتحدث في السهرة عن الخيبات وأصحاب النفوذ الذين وعدوه ولم ينفذوا. وهي الحلقة التي دفعت مكوك إلى تعليق لافتة «المغفور له زياد» على طرقات بيروت لدعوة الناس إلى متابعتها.
21:00 على تلفزيون لبنان