بغداد ــ رامي الأصيل
يوم قدّم الفنان العراقي جبار المشهداني للجمهور المحتفي بيوم المسرح العالمي في بغداد عرضه «أحزان شارع المتنبي» بعد أسبوعين على الحريق الهائل الذي التهم أهم مكتبات هذا الشارع.. فوجئ الجمهور بسرعة استجابة مسرحه للحدث. وكانت المفاجأة الكبرى أنّه وجد في العمل فكرةً مكتملةً لمسرح واضح التوجه فيما كان لافتاً الإتقان في أداء الممثلين المشاركين، إلى درجة يستغرب المرء أن تكون تلك الأيام القليلة الفاصلة بين «الحدث» و«تنفيذ العمل» كافية لتقديم هذا كله بالبراعة التي قُدّم فيها.. بعد هذا الصدى الطيب للعرض، أسّس جبار المشهداني ورشةً مسرحيةً متخصصة بما سمّاه «العروض الساخنة». ويشرح قائلاً «إنها العروض التي تواكب حالة الغليان العراقي الراهن». المشهداني الذي تكونت بدايات هذه الفكرة عنده قبل سنوات لتتبلور في عمله الأخير «أحزان شارع المتنبي»، تواصل مع «تجارب» أنجزها أبناء جيله من الشباب، كتاباً وشعراء.. هكذا، حوّل قصيدة للشاعر عبد الزهرة زكي «هذا خبز..» كتبها أيام الحصار في التسعينيات الى عرض مسرحي قوبل يومها بترحيب كبير. كما قدم عرضاً آخر بعنوان «نزول عشتار الى ملجأ العامرية» أدّته الفرقة القومية للتمثيل. فضلاً عن عروض أخرى لجأ في تقديمها إلى التجريب واستخدام تقنيات الإضاءة والصوت وما سمّاه «تشغيل الحواس» في إيصال فكرة العرض الى المتلقّي ـــــ المشاهد.
ويؤكد المشهداني أنّ هذه الفكرة ليست جديدة عليه أو على فنانين آخرين من جيله ليشركهم معه فيها بعدما وجدهم يشاطرونه «الهموم المسرحية ـــــ الوطنية» ذاتها. «إذا عدت الى الماضي القريب وتحديداً الى تسعينيات القرن الماضي، فستجد أنّ عروضي المسرحيّة التي قدّمتها عكست مثل هذه الاستجابة وتحديداً حالة الحصار التي عشناها. وبعد ذلك، ما واجهناه من حرب مدمرة انتهت باحتلال بلدنا وتفكيك بناه المؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية. لقد جاءت استجابتي لما حصل لشارع المتنبي ضمن هذا السياق».
ويضيف جبار المشهداني أنّه ينطلق من إيمانه بأنّ «على المسرحيين، تقع مسؤولية أخلاقية ووطنية في التصدي لما يواجهه إنساننا والوطن، والرد على ذلك بأعمال فنية يمكنها أن تحرك النفوس وتبقى في ذاكرة الايام. أقول هذا وأنا أجد أنّ ردّ الفعل الفني العراقي على كل ما يحصل جراء الاحتلال الاميركي لبلدنا، لم يبلغ بعد ما يمكن أن نسميّه «نضج فن المواجهة» لهذا الظرف القاسي الذي يعيشه العراقي في بلده الذي يشهد أسوأ أنواع الاحتلال في التاريخ الحديث».
وإذا كان عمر تجربة هذا الفنان الإخراجية بلغ 15 عاماً، فإنه لا ينكر دور من سبقوه.. «لقد سبقتني في عملي هذا تجارب لمخرجين عراقيين كبار من جيل الرواد مثل جاسم العبودي، وابراهيم جلال، وسامي عبد الحميد. ومن الجيل الذي تلاهم مثل قاسم محمد، وعوني كرومي، وصلاح القصب. وإذا حاولت تعيين «انتمائي الجيلي» قلت إنني من جيل مسرحي عراقي فيه أسماء أكدت حضورها في السنوات الماضية.. جيل ناجي عبد الأمير، وحيدر منعثر، وغانم حميد، وحامد خضر.. وأنا».
أما ما انفرد به بين أبناء جيله من خصوصيات إخراجية، فيعيده الى ما يدعوه «تشغيل حواس المشاهد في تلقّي العرض المسرحي». ويوضح: «إذا كانت معظم العروض المسرحية تعتمد على تشغيل حاستي السمع والبصر لدى المشاهد، عمدت في معظم عروضي الاخراجية إلى تشغيل حواس أخرى مثل حاسة الشمّ، من خلال بعث الروائح الدالة على خشبة العرض، منها العطور، والحرائق بما وجدته يضفي دلالات على العرض».