خليل صويلح
عدا رطانة العنوان «يوميات يهودي من دمشق»، لا تحمل رواية السوري إبراهيم الجبين (دار خطوات ــــ دمشق) ما يدعو إلى منعها، وهو ما حدث في معرض دمشق الأخير للكتاب. فنحن لسنا أمام يوميات بالمعنى الشائع، بل نتف من هواجس يهودي دمشقي يلتقي الراوي ويبثّه همومه وأسراره. هكذا سيلتقي الراوي بالتوازي مع إخاد، أبو محجن، وهو أحد الدعاة الجدد للمقاومة في العراق، وسنكتشف أنه مطلوب من القوات الأميركية في العراق، فيلجأ إلى الراوي لينقذه من محنته (!). وهناك يهودية يقع في حبها الراوي، تعمل في عيادة طبيب مسيحي.
الرواية إذاً تحكي عن التعايش بين الأديان. لكنّ ارتباك السرد وحيرته بين التوثيق من جهة، والشعر من جهة ثانية، والريبورتاج الصحافي بين حين وآخر، يضع الرواية في مهب التفكك السردي. محاولة ترميم ثغرات السرد باللغة الشعرية، لم تنقذ النص في تأسيس مشهدية روائية. هكذا ستتجاور حكايات لا رابط بينها سوى أنّها مكابدات المؤلف ويومياته في دمشق الأخرى، من خلال الربط بين التاريخ القديم للمدينة وحاراتها، وما آلت إليه اليوم من قبح بصري وتلوث وخراب روحي. فيما يبحث الراوي عن نفسه عبثاً: «حين أترك لحيتي أصبح أكثر شبهاً بالمسيح أو غيفارا. وحين أحلقها، أصبح مثل توم كروز أو عمرو دياب» لكنّه يشكو من أنّه مفلس ووحيد وأعزل. ويشير إلى أنّه فكّر في كتابة نّص سينمائي عن ابن رشد، لكنّ يوسف شاهين سبقه إلى ذلك!
هناك مفاجأة أخرى. الراوي يشير إلى أنّه صوّر فيلماً عن بن لادن وقابل زوجته. لا تكتفي الرواية بهذه الشخصيات المتنافرة، بل تتجول في عشرات الأمكنة: حارة اليهود، باب توما، مقام ابن عربي، يهود مصر، عبد الحليم حافظ والداعية محمد شوق. أمكنة وشخصيات تقتحم السرد بلا إقناع. كأن الراوي يروي مدوّنة شخصية لا تنفتح على ذاكرة المتلقي، ويكتفي بالتجوال في خرائط وعبور تضاريسها على السطح من دون أن يبرّر هذه الخلائط المتنافرة في نسيج روائي: «لوهلة ظننت أنني إبراهيم الخليل، وأنا أسير وخلفي هذا القفل العبراني».
المشهد اللاحق لا يصب بالضرورة في السياق نفسه، ولا يضيف لبنة إلى المعمار، بل يعكس ما يهجس به الكاتب لحظة الكتابة، عبر السرد المتوازي في استحضار الشخصيات والتواريخ، وأغاني أم كلثوم وانتهاءً بأغنية للتونسي أحمد الشريف، كان يستمع إليها بصحبة الداعية محمد شوق في بار دمشقي بعدما تحوّل الداعية إلى «شيخ ما بعد حداثي»!
مهلاً، هناك مفاجأة أخرى، سيذهب الراوي إلى أميركا لسبب ما، وبينما يتجول بين نيويورك وسياتل، سيلتقي إخاد اليهودي المهاجر. لكن ربما كان الراوي يستعيد حلماً، ما يخفّف وطأة هذياناته: «كأنني أخرج من حلم طويل، وكأن عالماً يلفظني بصعقة من مائه الهائج».