strong>صباح أيوب
فرنسا تودّع أحد أشهر الوجوه الإعلامية التلفزيونية، جاك مارتان، الممثل، والصحافي، ومقدّم البرامج، والمغني، توفّي أمس (عن عمر 74). هو رمز من رموز العالم الإعلامي، وقد طبع الذاكرة الفرنسية (وربما العالمية) بمشاهد نقدية، وساخرة، وبسيطة وفكاهية. تعرّف عليه اللبنانيون في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي من خلال برنامج الأطفال الشهير l ecole des fans والذي قام بتقديمه منذ 1977، وقد كانت تشارك في التقديم أحياناً الفنانة الفرنسية شانتال غويا.
في البرنامج كان الأطفال يتبارون في الغناء والرقص وإبراز المواهب المختلفة، وذلك في حضور أفراد عائلاتهم، ثم «يرفع» الأطفال العلامات التي يرونها مناسبة لتقويم أداء زملائهم.
تمتّع مارتان بميزة نادرة، وهي قدرته الفائقة على التقرّب بذكاء من الأطفال دون «التهكّم» عليهم، وبثّ شعور الطمأنينة فيهم لدرجة كانت تنسيهم رهبة المسرح والجمهور، فيطلقون العناء لـ«براءتهم» التي كانت جوهر البرنامج التلفزيوني. وفي أغلب الأحيان، كان مارتان يحيك مؤامرات مع الأطفال على بعض أفراد عائلاتهم، وتنتهي الحلقة بصعود الآباء والأمهات إلى المسرحليقفوا إلى جانب أولادهم، وليشاركوهم الغناء أحياناً.
مارتان الذي توجّه إلى دراسة المسرح حين بلغ من العمر 15 عاماً، قدّم عروضاً على الخشبة ابتداءً من عام 1949، ثم انضمّ إلى «مكتب البث الإذاعي والتلفزيوني». بدأ العمل في التلفزيون وعرف شهرة كبيرة في برنامج 1= 3، ثم قام بتقديم سلسلة من النشاطات والمهرجانات كمهرجان «كان» السينمائي وغيره. شارك في بعض الحفلات الموسيقية، وغنّى في بعض المناسبات أغنيات لجاك بريل. اشتهر مارتان بعفويته وجرأته. في إحدى حلقاته، دعا وزير المال الفرنسي آنذاك فاليري جيسكارديستان إلى العزف على الأكورديون مباشرة على الهواء.
ومن أشهر برامجه التلفزيونية النقدية الساخرة كان Le petit Rapporteur (1975) الذي منعت الرقابة بثّه بعد سنة على إطلاقه. ثم كان برنامج Dimanche Martin الذي جذب ملايين المشاهدين الفرنسيين والأوروبيين. إلا أنّ البرنامج الذي اكتسب شهرة واسعة، تخطّت الحدود الفرنسية والأوروبية، كان l ecole des fans الذي «خرّج» فنانين مشهورين، فشهد مرور فانيسا بارادي (التي كانت تبلغ من العمر 8 سنوات) مثلاً...
وقد اضطرّ مارتان، إثر تدهور صحّته، إلى التوقف عن تسجيل برنامجه الأخير، وكان بعنوان sous vos applaudissements (1998). وانعزل مارتان بعد الوعكة الصحية التي أصابته، فغاب عن الشاشات والكاميرات، باستثناء ظهور بسيط في مناسبات شخصية ومعيّنة. كذلك شارك في برامح إذاعية كانت تُبث في أوقات غير محددة. وقد صرّح عام 1999: «أنا رجل الضجيج والأضواء الذي كان يتحدث بصوت عال في صالات ضخمة تضم آلاف الأشخاص، صرت رجلاً يعشق الهدوء حتى الجنون». مارتان متزوّج ثلاث مرّات وله 8 أولاد. ويذكر أن زواجه الثاني كان من سيسيليا سيغانير زوجة الرئيس الفرنسي الحالي نيكولا ساركوزي، والتي رُزق منها بابنتين.
الرجل الذي ملأ الدنيا فرحاً ، كما وصفه البعض. ولد في 22 حزيران 1933 في مدينة ليون، وعاش طفولة «صعبة». إذ مات والده حين كان جاك طفلاً يبلغ من العمر خمس سنوات. ربما لذلك أراد أن يجعل كل الأطفال «يضحكون ويلهون ويغنّون»، وهو على أي حال، يمثّل لمحة مضيئة في ذاكرة كثيرين حول العالم... ولكن «مدرسة الهواة» حالياً في حداد.