بشير صفير
لم نعرفه يوماً خارج فضاء الأغنية الملتزمة. غنّى المظلومين والمهمّشين، القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، عيترون وكفركلا... والصراع الطبقي. وبلغَ به الأمر حدّ الاعتراف بعجزه عن الحبّ... ما دامت هناك قضية! إنّه الفنان خالد الهبر، أقام حفلاته في لبنان والعالم خلال الحرب الأهلية، ثَبت دائماً على مواقفه خلال الأزمات، في زمن تساقُط الأقنعة والرموز، وتحوّل يساريي آخر زمن إلى أحضان الإقطاع السياسي ومنطق السوق وراية العم سام.
هكذا غاب «الرفيق» خالد عن الجمهور، منذ حفلة الأول من أيار (مايو) 2003. وخلال كل هذه الفترة، كانت له إطلالات مشتركة، كحفلة الذكرى الثمانين لتأسيس الحزب الشيوعي اللبناني مع زياد الرحباني (2004)، وحفلة «بين ضفّتي المتوسط» التي جمعت فنانين من بلدان متوسطيّة. مثّل خالد لبنان يومذاك، وكتب أغنية الختام: «الأرض كوكب يجمعنا» التي أدّاها المشاركون من مختلف بلدان العالم (2006). أما آخر لقاء مع الجمهور اللبناني فكان ضمن حفلات Da Capo في أيار (مايو) الماضي في الأونيسكو، حيث غنّى «صبحي الجيز» وشارك في غناء «روح خبِّر».
واليوم، يعود خالد إلى الأونيسكو ليشارك في Les Artistes إلى جانب فنانين آخرين. صحيح أنّ هذه الحفلة مشتركة أيضاً، لكنّ أهميتها تكمن في أغنيتين جديدتين له، أراد منهما إعلان موقف سياسي واضح ومباشر... وربما متأخر. لكن هذا ينم بالتأكيد عن تأنٍّ في إطلاق موقف نهائي في ظل الأوضاع الدقيقة والحسّاسة التي تلت 14 شباط (فبراير) 2005.
«عائد إلى حيفا» أغنية جديدة لخالد الهبر يعلن فيها وقوفه إلى جانب المقاومة، وتبنّيه خط المقاومة: «أنا عائد كما قال/ صديقي علي رفيقي حسين/ أنا عائد كمن نال/ دروع الحرب على الصدرين/.../ أنا لا أعرف حيفا/ لكني أراها في حلمي/ حيفا وما بعد حيفا/ ستزهر وعداً من ألمي».
وكتب خالد أغنية أخرى، على طريقة قصيدة جاك بريفير الشهيرة، عنوانها «أبانا الذي في السما» ليؤكد بالمقابل عدم تخلّيه عن يساريته وعلمانيته. في هاتين الأغنيتين المتكاملتين، يعبّر خالد عن الموقف اليساري المركّب من الصراع الدائر في المنطقة، ومن المشروع الأميركي الذي اختصر بـ«الشرق الأوسط الجديد»: «أبانا الذي في السما/ أنت ع راسي إنما/ عندي كلام/ في كم سؤال بهالعمر/ اجتمعوا براسي من القهر/ والانهزام». هكذا، تتوالى عشرة أسئلة تراود كل مَن عجزت الأديان عن إقناعه بأن الله يقف دوماً إلى جانب المظلومين. وينطلق خالد في أسئلته مما يحدث في العالم اليوم، وخصوصاً في المنطقة العربية: من فلسطين «كيف اليهودي مضطهد؟ وهوّي سارقلي بلد»... إلى العراق «كيف العراقي بينقتل/ ما قالوا حرية وعدل» و«كيف الأميركاني حكم/ هيدا الغبي بين الأمم». وأخيراً، يتوجّه إلى المولى: «وليس آخراً/ ما تعتبرني كافراً/ إن كان عاجلاً أم آجلاً/ رح تقنع مني يا أب/ رح تمشي معنا يا أبي/ عليك السلام».
إضافة إلى الأغنتين الجديدتين، سيغنّي خالد من بين أغانيه القديمة «كفركلا» و«شارع الحمرا»، «رئيس الجمهورية» وصولاً إلى «أصنام العرب» و«أغنية عاطفية» و«أكتر من أي زمان».