strong> ياسين عدنان
كانت الدورة 23 من مهرجان الإسكندرية السينمائي لافتة حقاً هذا العام. المهرجان الذي اختُتم الأسبوع الماضي، راحت أغلبية جوائزه الى المغرب العربي فيما خلت مسابقته الرسمية من فيلم مصري يرقى لمستوى المنافسة. هكذا، حصد «يا له من عالم رائع» What a Wonderful World للمخرج المغربي الشاب فوزي بن سعيدي الجائزة الأولى في المهرجان. كذلك منحته لجنة التحكيم التي ترأسها المخرج التونسي نوري بوزيد جائزة أفضل إخراج أيضاً. فيما فاز الفيلم التونسي «عرس الذيب» لجيلاني السعدي بجائزة لجنة التحكيم، ونالت ممثلته أنيسة داود جائزة أفضل ممثلة. أمّا اللبناني ميشال كمون ففاز بجائزة العمل الأول عن فيلمه «فلافل».
«يا له من عالم رائع» (2006) سبق أن مثّل المغرب في المسابقة الرسمية لمهرجان مراكش في دورته الأخيرة، ويستعدّ حالياً لخوض مسابقة المهرجان الوطني للسينما التي ستحتضنها طنجة الشهر المقبل. وقد وجد الشريط في تتويج الإسكندرية اعترافاً يستحقّه عن جدارة: الذين لا يعرفون الدار البيضاء سيخيفهم «يا له من عالم رائع»! أما الذين يعرفونها جيداً فسيفاجئهم الأسلوب النزق الساخر والعنيف الذي حاول من خلاله بن سعيدي استبطان اليوميِّ الصعب لهذه المدينة الأخطبوطية الملأى بالمفارقات. يوميٌّ يحتلّ فيه العنف والإجرام مساحةً واسعةً. من خلال تتبع خطوات كمال (فوزي بن سعيدي) القاتل المحترف الذي يعمل تحت الطلب جاعلاً من الانترنت أداة تواصله الرسمية مع المافيات التي يتعامل معها، نكتشف بعض العادات الغريبة لهذا المجرم الغامض الذي كلما أنهى عملية، اتصل بصديقته سعاد (فاطمة عاطف)، الشابة المرحة التي تبيع جسدها بين الفينة والأخرى لمواجهة أعباء الحياة، من أجل قضاء لحظات ساخنة في أحضانها. أحياناً، عندما يتصل كمال بسعاد، تجيبه كنزة (نزهة رحيل) صديقتها التي تعمل شرطية سير على تقاطع طرق وسط الدار البيضاء. ولأنَّ راتب الشرطية الشابة لا يكفي، تضطر كنزة لتأجير هاتفها الخلوي للعابرين الذين لا يملكون هواتف في أحد الشوارع الخلفية للمدينة. أما كمال فسيقع بسهولة في حب صوت كنزة التي اعتادت الرد على مكالماته بدل سعاد، لتنشأ على امتداد الفيلم قصة حب افتراضي وعنيف بين الصوتين: صوت المجرم وصوت الشرطية. هكذا سيتحول كمال من قاتل محترف بلا عواطف إلى مراهق بسبب
الحب.
بالطبع، هناك قصص أخرى صغيرة تنمو على ضفاف الحكاية الأم: قصة هشام القرصان الإلكتروني الذي يحلم بالهجرة إلى الضفة الأخرى للمتوسط ويتسلى بالتجسس على عمليات كمال وصفقاته السوداء التي يعقدها عبر الانترنيت. وقصة فاطمة الزوجة الشابة المغرمة بالتقاط صور لجسدها العاري تبعثُها إلى زوجها الجندي المرابط في الصحراء دفاعاً عن وحدة الوطن، وتتسلّى من حين إلى آخر بممارسة أصناف خفيفة من الدعارة في انتظار عودته. تتشابك هذه القصص كلّها في فيلم تهيمن عليه الموسيقى ويخيّم الصمت على 70 في المئة من مدة الشريط
(99 دقيقة).
«يا له من عالم رائع» حزين ومرح، تجريبي ومشاكس، مُسلّ ومستفز يزاوج بين الفيلم البوليسي العنيف والكوميديا الساخرة. وهو من دون حكاية، لأنّ ما قام به فوزي لم يتعدَّ خلق رابط سلس بين مجموعة من المواقف والحكايات الصغيرة ليسرد عبرها قصة الدار البيضاء. وهو أيضاً فيلم من دون هوية، فهاجس ترسيخ هوية مغربية للسينما الوطنية لا يؤرق بن سعيدي الذي لا يؤمن بالانتماء القطري أو القومي للسينما، ما دام انتماؤه الأكبر كمخرج يبقى لطفولته. وخارج شغبه التجريبي وتشبثه بطفولته، لا نلمس انضباطاً واضحاً لأسلوب إخراجي معيّن. يخضع الشريط كلياً لمزاج المخرج ونزواته العنيفة. ومنهجية بن سعيدي في بنائه كانت هي اللعب: لعب بالأصوات والصورة، بالإضاءة والكادرات. أما عنوان الفيلم WWW فيحيل منذ البداية على الزمن الافتراضي الذي يهيمن عليه: حب افتراضي، ومعاملات تتم عبر الانترنت. كمال وهشام يدمنان السفر الإلكتروني، وكل صبايا الفيلم مشدودات إلى الموبايل. والمدينة الوحش تتوسع بشكل سيئ ومخيف جغرافياً وافتراضياً. أما فوزي بن سعيدي الذي لم يكن في هذا الفيلم معنياً بجمال الصورة بقدر ما كان يبحث عن قوّتها، فقد نجح في تحويل قبح الدار البيضاء ومفارقاتها العنيفة إلى مشاهد لافتة في دُعابة سينمائية خفيفة الظلّ وجارحة في الآن
نفسه.