رغم أنّ الأوسمة تزدحم في منزل الفنان السوري رفيق السبيعي (الصورة)، ورغم أنّ وعكة صحية قاسية ألمّت به أخيراً وأدخلته المستشفى، إلا أنّه أراد أن يكون موجوداً مساء أوّل من أمس في «مسرح المدينة» (الحمرا ــ بيروت) لحضور احتفالية تكريمية نظّمها له خصصياً رفاقه في «الحزب السوري القومي الاجتماعي» في بيروت. تكريم أعقب تقدّم السبيعي بطلب انتساب إلى الحزب ومنحه عضوية استثنائية تيّمناً بتجربة الأديب اللبناني الراحل سعيد تقي الدين (1904 ــ 1960). هكذا، دخل «أبو صيّاح» بلحية بيضاء زادت من وقاره، متخلياً هذه المرّة عن عباءة القبضاي الدمشقي وزيّه الفلكلوري، كأنّ سنواته الـ85 تسبقه بعدما أمضى معظمها معطاءً، فيما يتبعه ابنه الممثل والمخرج سيف الدين السبيعي الذي رافقه زميله الممثل جلال شموط. وقف الجمهور وعلا صوت التصفيق، فضحك «فنان الشعب» كأنّه نسي مرضه. لكن الغريب أنّ الفنانين اللبنانيين والسوريين لم يكلّفوا خاطرهم بتذكّر الموعد. وحده الممثل اللبناني أحمد الزين حرص على الحضور في الصف الأول. لم تخرج الاحتفالية عن الكليشهات التقليدية للفعاليات الحزبية.

كلمات وعبارات خطابية وجمل إنشائية أثنت على الرفيق الجديد، ولم تنس الزعيم أنطون سعاده، بينما اقتصر الجانب الفني على فيديو متواضع أعدته «عمدة الثقافة في الحزب» عن صاحب التكريم، استعان معدوه ببعض المقاطع الجاهزة على يوتيوب، إضافة إلى تعليق صوتي حاول تلخيص حياة السبيعي الغنية، من دون أن يجيد لغة التكثيف والاختصار. سارت الأمور على هذا النحو حتى وصول الاحتفال إلى نهايته مع كلمة «فنان الشعب» وتسلمه الدرع التكريمية. تزاحمت عدسات الكاميرات على المسرح، وأضيئت عتمته بالفلاشات. مرّ الوقت بطيئاً يشبه مشية «أبو صيّاح» المتعبة إلى أن اعتلى منصة الحديث، فانقلبت الأجواء المثقلة بالشعارات نحو جرعات مفرطة من الوجدان. أشعل الرجل الحنين إلى أيام زمان، وملأ فضاء المسرح في لعبة يتقنها منذ زمن طويل، وصوت ما زال يحتفظ برجولته ورنته التراثية. استهل حديثه بطريقة عفوية تشبه برنامجه الإذاعي المشهور «حكواتي الفن»، ولازماته المعهودة مثل «ياسادة يا كرام» و«إيه نعم». روى من ذاكرة القرن الماضي دخوله مصادفة وحضوره خطاباً لأنطون سعاده، قبل أن يهدم إيديولوجيات عروبية تربّى عليها السوريون عندما قال: «الخطأ الكارثي في تاريخ سوريا الحديث أنّها توّرطت في شيء اسمه العروبة». بعدها، راح يعدّد الشعوب التي لجأت إلى سوريا أثناء تعرّضها للحروب، وكيف عاشت مكرّمة بعيدة عن بناء خيمة واحدة، مقارناً ذلك بحال اللاجئين السوريين اليوم في مخيّمات الشتات. النهاية كانت مؤثّرة بقوله: «وصلتُ إلى سن أعرف أنّني قد أرحل في أي لحظة. لذا، دعوني أوصيكم بسوريا خيراً. تحيا سوريا!». في هذه اللحظة، صارت دموع رفيق السبيعي تُخبر عمّا في قلبه الذي عشق دمشق وأبى إلا أن يكمل حياته فيها.