محمد عبد الرحمن
الرقابة المصرية لا تصوم... حتى في رمضان! شبح الثالوث المحرم يطاردها في الكوابيس، وعينها الساهرة تضع في كفّة واحدة مشاهد اغتصاب، ومواقف معادية للتطبيع، ونقداً مباشراً لممارسات رجال الأمن! المقص هو الحلّ: اسألوا يسرا، وصلاح السعدني وحسين فهمي

لطالما حملت الأفلام التي تتناول قضايا الاغتصاب لافتة «للكبار فقط»، ومنعت من هم دون السادسة عشرة من متابعة الأحداث في دور العرض... لكن ماذا تفعل رقابة التلفزيون عندما يتجرّأ المؤلف محسن الجلاد على كتابة مشاهد اغتصاب، تتمحور حولها حلقة كاملة من مسلسل «قضية رأي عام» للفنانة يسرا؟ هل تتضامن الرقابة مع الضحايا، أم أنّ المقص يضاعف «جهوده» في شهر رمضان؟
الإجابة عن هذا السؤال لا تتطلب وقتاً طويلاً. يكفي القول إن مسلسل «صرخة أنثى» الذي يتناول قضية التحوّل الجنسي، استُبعد من العرض لـ «حساسية المضمون». يضاف إلى ذلك أنّ اسم داليا البحيري لم يساعد العمل في الصمود أمام مسلسلات الكبار والفرار من المقص الذي لا يرحم... ذلك المقص نفسه تجاهل نجومية يسرا، وحذف عشر دقائق كاملة من نسخة مسلسل «قضية رأي عام» التي يعرضها التلفزيون المصري. وعمد المنتج جمال العدل إلى حذف المشاهد المتعلقة بالاغتصاب، وإرسال نسخة أخرى للقنوات التي تعرض المسلسل. فيما اختار «ماسبيرو» النسخة الناقصة، ووضعت قناة «الحكايات» التابعة لشبكة «آي آر تي»، قبيل عرض الحلقات، إشارة كتب عليها: على الأهل الحذر لوجود مشاهد لا تناسب الأطفال. أما تلفزيون «دبي» فعرض المشهد كاملاً، خصوصاً أنّ إدارة المحطة تابعت التصوير من البداية. ولو كان لديها اعتراضات، لأشارت إليها قبل بدء التنفيذ.
مؤلف المسلسل محسن الجلاد لم يبد انزعاجاً من موقف الرقابة في التلفزيون الحكومي، وهو المعروف بصدامه شبه الدائم مع هذه الأجهزة. وقد تقبّل الحذف، خصوصاً أنّ هذه المشاهد عُرضت كاملة على شاشة أخرى. كذلك المنتج جمال العدل عمد إلى الحذف من تلقاء نفسه، حتى يضمن خروج الحلقة بشكل فني لائق، بعيداً من عشوائية مقص الرقابة. وهذا الأخير أشار في اتصال مع «الأخبار» إلى أن المخرج محمد عزيزية تعمّد إبراز هذه المشاهد لإثارة الرأي العام على قضايا الاغتصاب، «فالقراءة عنها في الصحف فقط غير كافية». وتبدأ الحلقة الثانية من المسلسل بتعرّض الدكتورة عبلة (يسرا)، وزميلتيها لقاء الخميسي وألفت عمر إلى الخطف من ثلاثة شباب مدمنين على المخدرات. وينجح الشباب الثلاثة (أشرف مصيلحي وعمرو سمير وأحمد فلوكس) في إجبارهن على استقلال السيارة تحت تهديد السلاح، والذهاب بهن إلى قصر مهجور يملكه أحدهم، وضربهنّ بعنف لضمان استسلامهن لعملية
الاغتصاب...
لكن الاغتصاب وحده لا يُغضب المسؤولين في التلفزيون. هناك القضية الأكثر سخونة على الإطلاق، وهي تتفوق على أي خط أحمر تضعه الرقابة على المسلسلات ذات الطابع السياسي... فالاقتراب من الحكومة وسلوكها قد يكون أسهل لدى بعضهم من التطرّق إلى قضية الصراع مع إسرائيل. لذا، كان السيناريست محمد صفاء عامر صريحاً عندما أوضح لـ «الأخبار» أن ما تعرّض له مسلسل «نقطة نظام» على شاشة «النيل للدراما»، لم يكن بفعل رقابة التلفزيون فحسب، بل بسبب جهات أخرى تدخلت بقوة. ويقول الكاتب إن هذه الجهات حاولت منذ خمس سنوات تعطيل تصوير المسلسل. وعندما خرج إلى النور، لعبت على مضمونه.
لكن عامر، في المقابل، أشار إلى أنّ المخرج أحمد صقر والبطل صلاح السعدني، نجحا مع فريق العمل في إمرار أفكار مهمة، تضمن ألّا يتعرض المضمون إلى خلل كبير، بعدما حُذفت أجزاء منه. فالهدف من المسلسل واضح وصريح: المطالبة بفتح ملف قتل الأسرى المصريين في حرب 1967، من خلال قصة مجند سابق (عمر)، أصبح رجل أعمال يريد الاستثمار في سيناء. ويقابل هناك، بعد 40 عاماً، قائد الفرقة الإسرائيلية التي قتلت أقرانه.
هكذا حذفت رقابة التلفزيون عبارة «حتى لا ننسى» من المقدمة، إضافة إلى جُمل من السيناريو، تبرز رفض الشعب المصري لعملية التطبيع. ومن الأحاديث التي لن يسمعها المشاهد على شاشة التلفزيون المصري، حوار بين المجند السابق عمر مع أحد المسؤولين، يشرح فيه موقفه الحاد من الإسرائيليين: «سلام مع مين ... مع نتنياهو... باراك ...أولمرت؟ سلام يتكتب إزاي؟ وبأي لون؟ بلون الدم اللي ملا سيناء والأرض العربية!». وهناك أيضاً عبارة أخرى، تقول: «الفترة دي انتهت بالنسبة لنا إحنا بس يا فندم. إنما بالنسبة لعدونا لا. إحنا بننسى لكن همّا مبينسوش، لكن احنا لو نسينا يبقى انتهينا خلاص». أما تلفزيون «المنار» الذي يعرض المسلسل أيضاً، فالتزم بالنسخة الأصلية، ولم يحذف منها شيئاً.
إلى جانب «قضية رأي عام» و«نقطة نظام»، طارد مقص الرقيب مسلسل «حق مشروع» الذي تناول قضية العنف في الصعيد، سواء بين العائلات أو الجماعات المتطرفة. وهو أيضاً من تأليف محمد صفاء عامر، وبطولة عبلة كامل وحسين فهمي. وقد حذفت الرقابة عبارة «إنت عارف الأمن عندنا لا همّ له إلا محاربة دين الله»، من دون الإشارة إلى أنّ الجملة منطقية، طالما جاءت على لسان شخصية متشددة، ومطاردة من الأمن. كذلك أوصت الرقابة بتخفيف مشاهد تعاطي المخدرات لعصابة الزناتي (حسين فهمي) وأعوانه.
وبعدما كانت الدراما الخليجية نجمة المشاكل الرقابية قبيل رمضان، فمنع بثّ مسلسل «للخطايا ثمن» على mbc، وتأجّل عرض «أخوات موسى» على LBC... أخذت الدراما المصرية مكانها في الأسبوع الأول من الشهر. فعلى من يقع الدور في الأيام المقبلة؟

«قضية رأي عام» 19:00 على «دبي»
«نقطة نظام» 21:15 على «المنار»
«حق مشروع» 23:00 على «أبو ظبي»





الحرب الباردة وصلت إلى البرامج

فيما تتجه الأنظار صوب القرارات التعسّفية التي تفرضها رقابة التلفزيون على المسلسلات الدرامية، تعاني البرامج الرمضانية صعوبات مماثلة، ما أدى إلى فقدان بريقها في الأيام الأولى من رمضان. هكذا مثلاً عانى برنامج «المانع والممنوع» الذي تقدمه لميس الحديدي على شاشة «الفضائية المصرية»، قرار تأجيل أكثر من حلقة مع دينا ومروى وبوسي سمير ومجدي يعقوب، رجل الأعمال المتهم بقضية اختلاس. وذلك على رغم موافقة وزير الإعلام أنس الفقي على تنفيذ الحلقات قبل تصويرها. أضف إلى ذلك أن فكرة البرنامج أصلاً تقوم على استضافة الممنوعين. في الوقت عينه، فقدت فقرتا محمود سعد وأحمد شوبير في برنامج «البيت بيتك» الشهير، سخونتها، بسبب عدم بثها على الهواء مباشرة. وكلا المذيعين معروف بقدرته على المناورة على الهواء، كما أن بعض الفقرات خلت من الأخبار المهمة نتيجة التسجيل. لقاء محمود سعد مع المغنية شيرين مثلاً لم يتطرق إلى شائعة الحمل لأنه سجّل قبل أيام من إعلان الخبر. وقد انتقدت الصحافة شوبير لأنه استضاف للمرة الأولى فنانين (عوضاً عن الفنانين) في فقرة «زملكاوي ولا أهلاوي»، ليتحدثوا عن تشجيعهم لهذا الفريق أو ذاك. حتى الفقرة السياسية «مصر حصل فيها إيه» مع تامر أمين ومنى الشرقاوي، خرجت باهتة بسبب الإعداد المسبق. وليس معروفاً بعد إن كان السبب يعود إلى قرار رقابي أم خطة لتقليل النفقات. إضافة إلى انشغال محمد هاني، رئيس تحرير البرنامج، في إعداد حلقات «قناة خمس نجوم» الذي تقدمه هالة سرحان من بيروت، على شاشة «روتانا موسيقى».
وبرودة البرامج وصلت إلى «شقة هند صبري» بسبب الاعتماد على الديكــــــــور فقط: فهند لا تلتقي ضيوفها أبداً طيلة الحلقة، بل تكتفي بالتحدث من غرفة التحكــــــم، فيما ينتقل الضيف من غرفة إلى أخرى.
إلا أن الأمر لا ينطبق على كل البرامج المصرية حكماً، فـ«تسعون دقيقة» على «المحور» يواصل تقديم فقراته يومياً، من دون الالتزام بموضوعات رمضانية. كما أعدّ عمرو أديب في «القاهرة اليوم» سلسلة مفاجآت، بدأت باتصال امتد أكثر من ساعة ونصف مع شريهان في أول أيام شهر رمضان. وفي ظهورها الإعلامي الأول منذ نكستها الصحية، تحدثت شريهان عن رحلة العلاج الطويلة مع السرطان، علاقتها المميزة بضرّتها الممثلة والمنتجة إسعاد يونس، وبحثها عن عمل استعراضي تعـــــود من خلاله إلى الأضواء. كما شهدت الحلقة اتصالات من فنانين مثل هشام سليم، منى زكي، لطيفة، ونيللي، تحدثوا عن شريهان، باكين من شدة تأثرهم بسماع صوتها. واستضاف أديب أول من أمس شقيقه الإعلامي والمنتج عماد الدين أديب.

«الشقة» 19:30، «البيت بيتك» 21:00 على «الفضائية المصرية»