strong> محمد عبد الرحمن
لم تدخل الصحافة الفنية في مصر صراعاً طويل الأمد مع جهة إعلامية، مثلما حدث مع شركة «روتانا». هذه الشركة التي انقضّت الصحف هنا على نشاطها في البلاد، حتى قبل أن يتعرّف المصريون إلى كيان اسمه «روتانا»، سيقتحم جميع النشاطات الفنية بلا استثناء. وعلى رغم أن «روتانا» تحاول الصمود وتحسين صورتها، ازداد الهجوم، حتى بشّر بعضهم باقتراب «خروج روتانا من مصر». واستخدام هذه العبارة يفسّر مقاربة هؤلاء لنشاط الشركة في القاهرة على أنّه «احتلال». وذلك في وقت تحاول فيه الساحة الفنية الخروج من شرنقة المحلية، بعدما حاصرتها فضائيات وشركات عدة سعت لهدم نظرية «الفن المصري الذي لا يُقهر». وعلى رغم أن رافضي «روتانا» يوجّهون انتقادات حادة إلى الفنانين المصريين حين يتراجع مستوى أدائهم، لا يستبعدون في الوقت نفسه نظرية المؤامرة الخليجية عليهم.
وكانت آخر جولات الصراع مع «روتانا»، ذلك النقد العنيف الذي تعرّض له منير الوسيمي، نقيب الموسيقيين المصريين، إثر تكريم النقابة للشركة السعودية، في حفلة أقيمت مطلع الشهر الجاري في دار الأوبرا. يومها، رأى صحافيون وفنانون أن الوسيمي أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق، مشيرين إلى أنه تكريم مدفوع الثمن، لأن «روتانا» دفعت 20 ألف دولار، تبرّعاً لصندوق المعاشات في النقابة. لكن ردّ الوسيمي كان حازماً، فاتّهم هؤلاء بالغباء والجهل، وبأنهم لا يفقهون شيئاً عن طبيعة عمل النقابة والوسط الغنائي. وقال إنه يُفترض أن تدعم شركات الإنتاج الموسيقي العاملة في مصر، النقابة كلما أتيح لها ذلك، خصوصاً بعدما خذلته شركات مصرية عدة. وأوضح: «هذه الأموال ستذهب في النهاية إلى الفنانين المتقاعدين، وهو ما يعني أن «روتانا» التي جنت أموالاً طائلة من نجوم مصر، تردّ الجميل بهذه الطريقة».
إلا أن المسألة لم تنته هنا. وها هي صحيفة «الفجر» تنشر على حلقات، تقارير تؤكد أن مركز «روتانا» في مصر بات مهزوزاً منذ قصة هالة سرحان. والدليل، بحسب الصحيفة، فشل إيناس الدغيدي في تقديم برنامج «روتانا سينما»، وتراجع مكانة محمد هنيدي الذي أنتجت له «روتانا» هذا الموسم فيلم «عندليب الدقي».
ويرى هؤلاء أنّ ما حدث لهالة سرحان، يمثّل نقطة فاصلة في مسار «روتانا» داخل مصر. فهذه السيدة التي تتمتع بمكانة مميزة في الوسط الإعلامي والفني، تركت مكانها شاغراً، الأمر الذي أثّر في تراجع اهتمام المشاهدين بشاشتَي «روتانا سينما» و«روتانا زمان». أضف إلى ذلك افتقار الشركة إلى خبرة هالة سرحان. وبات واضحاً أن الإقبال الإعلاني على محطات «روتانا» المصرية يتراجع منذ رحيل سرحان، حتى أنّهما تعانيان من الإهمال في رمضان، بخلاف العام الماضي.
وكانت بعض الدعاوى القضائية المرفوعة على سرحان، طالبت أيضاً بالحدّ من نشاط «روتانا» في مصر، واتهمت الشركة بالتخريب المتعمد للثقافة المصرية. وهي الدعاوى التي لا يعرف أحد مصيرها حتى الآن، وهو ما يعني أن هناك من يستفيد من بقاء سرحان خارج مصر، وبالتالي الحدّ من نشاط «روتانا». ثم جاء ظهور سرحان من بيروت دليلاً جديداً على أنّ الشركة العملاقة تواجه صعوبات في القاهرة، على رغم الدعم الذي تلقّته سرحان من نجوم مصر. وحتى على مستوى الإنتاج السينمائي، يمكن القول إن الفيلم الأخير لمحمد هنيدي «عندليب الدقي» تأثّر بوجود لوغو «روتانا» عليه، حتى أن هناك من رأى العمل غير مصري، لأن الفيلم حسب القانون يحمل جنسية المنتج! وبالتالي بات أي فنان يتعاون مع «روتانا» متهماً بأنه يسعى وراء المال. والغريب أن المطرب الذي يخرج من عباءة شركة الانتاج، يلقى ترحيباً من الصحافة، بدعوى أن «روتانا» تهمل فناني القاهرة. وفيما لم يبق داخل خيمة الشركة من نجوم مصر سوى أنغام ومحمد فؤاد ـــــ على اعتبار أن عمرو دياب لم يعلن تجديد عقده بعد ـــــ جاء توقيع شيرين عبد الوهاب بمثابة رسالة مضادّة، تؤكد أن الشركة لن تترك السوق المصرية بسهولة، وأنها قادرة على الصمود بوجه العواصف المستمرة. حتى أنها أنشأت أخيراً مقراً ضخماً لها داخل الملحق التجاري لفندق «الفور سيزن» الذي يملكه الوليد بن طلال، وعادت تتقرّب من الصحافة المصرية. لكنها ربما تحتاج إلى مزيد من خطوات إعلان «حسن النوايا»، حتى يتم «التطبيع الكامل» وتصمت الأصوات المبشّرة بخروجها من الأراضي المصرية!