الرباط ــ ياسين عدنان
ماذا يحدث في قناة «نسمة تي في»؟ المحطة التونسية التي رفعت شعار تحدّي المشرق، تواجه مشاكل مع الفائزة في برنامج «ستار أكاديمي المغرب العربي»... المواجهة وصلت إلى القضاء، فهل تدشّن هاجر عدنان مرحلةً جديدةً من مواجهة الاحتكار؟

عندما قرّرت قناة «نسمة» التونسية إطلاق نسخة مغاربية من برنامج «ستار أكاديمي»، استبشر الكثيرُ من شباب المنطقة خيراً. وخصوصاً أنّ الشعور بأنّهم مشاركون من الدرجة الثانية في المسابقات المشرقية، كان يربكهم دائماً ويضعف حظوظهم. وفيما يتحدّث الطلاب المشارقة على سجيّتهم، وهم يتنقّلون بين رَدهات الأكاديمية وصالاتها، يجد نظراؤهم المغاربيون أنفسهم مضطرين إلى محاكاتهم... منهم من يتمصَّر، ومنهم من يتلبْنَن، ليضمن حداً أدنى من التواصل مع زملائه المشارقة وأيضاً مع مشاهدي القناة الأعزاء: وهم جمهور مشرقي في الدرجة الأولى. أيضاً على مستوى الاختيارات، كان الطلاب المغاربيون مجبرين على تقديم أغان مشرقية، ليبقوا على قيد المنافسة. فلجان التحكيم المشرقية التكوين والهوى، وجمهور القنوات المُنظِّمة لهذه المسابقات، لن يسمحوا لمشارك مغربي مثلاً بأن يرهق آذانهم المرهفة، بأغان من «الوزن الثقيل» لعبد الوهاب الدكالي وعبد الهادي بلخياط ونعيمة سميح ولطيفة رأفت. لقد كان هناك إحساس عام في البلدان المغاربية بأن هذه المسابقات تكرّس المركزية المشرقية، والمغاربيون لا يحضرون فيها إلا باعتبارهم «سمك زينة»، لا أقل ولا أكثر. وإذا أراد أحد هؤلاء التنافس بجدية، فما عليه سوى التخفّف التام والنهائي من بُحَّته الخاصة، والتنكّر لشخصيته الفنية المغاربية. لهذا طبعاً، صفق الجميع لمبادرة قناة «نسمة تي في» التي فتحت المجال لشباب المنطقة بأن يحلموا بالنجومية، من دون أن يكونوا مجبرين على التنكّر لهويّاتهم. لكن النيات الطيبة وحدها لا تكفي. القناة التي نجحت في حصد متابعة جماهيرية استثنائية في المغرب العربي، فشلت في المحافظة على نجومها. وقضية هاجر عدنان، نجمة «ستار أكاديمي المغرب العربي»، المعروضة حالياً أمام المحاكم، هي العنوان الأبرز لهذا الفشل.

تفاصيل القضية

في أوائل الشهر الماضي، أحيا نجوم برنامج «ستار أكاديمي المغرب العربي» حفلتهم الغنائية الأولى في مسرح الهواء الطلق في بنزرت، في الشمال الشرقي للعاصمة التونسية من دون نجاح كبير. ويبدو أن قناة «نسمة» فشلت في مواصلة جولتها المغاربية على خلفية مقاطعة هاجر عدنان لها. فغياب الشابة المغربية الفائزة بالمرتبة الأولى في مسابقة «ستار أكاديمي المغرب العربي» عن حفلة بنزرت، أربك حسابات قناة «نسمة تي في» ومؤسسة «قروي أند قروي» التونسية، مالكة القناة. وهذا البرنامج الناجح الذي حظي برايمُهُ الأخير بنسبة مشاهدة عالية، بلغت 13 مليون شخصاً، يقف الآن على مفترق الطرق. فهل هو جحودٌ ونكرانُ جميل، فاجأت به نجمة الدورة الأولى لـ«ستار أكاديمي المغرب العربي»، القناة التي صنعت شهرتها؟ أم تمرّد جريء لموهبة شابة، قررت بشكل مفاجئ، أن تخلع غلالة النجومية الخفيفة جداً لتتفرّغ لمواجهة الاحتكار والاستغلال؟
في الندوة الصحافية التي سبقت حفلة بنزرت، أفادت شركة «قروي أند قروي» أن هاجر عدنان لن تغنّي في جولة النجوم الغنائية، بسبب اشتراط والدها مبلغ مليون يورو للسماح لابنته بالمشاركة. وهو ما نفته هاجر قائلةً: «هذه الأقاويل لا أساس لها من الصحة. لماذا لا يتحدث نبيل قروي لوسائل الإعلام عن العقد المُجحف الذي أرغمونا على توقيعه بأساليب غير قانونية تعتمد على التدليس والخداع؟»
لكن مريم بزازي، المسؤولة الإعلامية في قناة «نسمة»، ترى أن العقد قانوني ولا غبار عليه، ويحفظ للطلاب حقوقهم: «ينصُّ العقد في حالة فوز الطالب باللقب، على أن يشارك مع زملائه في ألبوم جماعي من إنتاج شركة «يونيفرسال ميوزيك». ثم المشاركة في ألبوم آخر يضم عشرين أغنية من الريبرتوار المغاربي. وفي المقام الثالث، يتم إنتاج ألبوم فردي خاص بالفائز، وتنظيم جولة في أوروبا والبلدان المغاربية، وتصوير فيديو كليب. ولم يتم الحديث في العقد عن أي جائزة مالية. مع العلم أنّ ثلاثة محامين قاموا بزيارة كل طالب على حدة لشرح بنود العقد الذي أبرم بين الطلاب ومؤسسة «قروي أند قروي» المنتجة».
هاجر عدنان، من جهتها، لا تفهم «كيف تجرؤ قناة «نسمة» على الحديث عن الحقوق»، لأن العقد ببساطة لم يكفل لها أيّ حق. وتقول موضحة: «بنود العقد تُلزمني بخمس سنوات من العمل مع قناة «نسمة»، من دون أن أستفيد من أي مقابل مادي. حتى الألبوم الذي وعدوا بإنتاجه لي، اشترطوا أن تفوق نسبة مبيعاته مئة مليون، كي أستفيد من 9 في المئة من الأرباح... حتى أصالة نصري لا تحقق هذا الرقم! هناك بند آخر في العقد ينص على ضرورة قيامي بمجموعة من الجولات في الوطن العربي وفرنسا وكندا بلا مقابل. بل سيكون عليّ أن أدفع ثمن الأمتعة لشركات الطيران التي سنتنقّل بواسطة طائراتها. كما أن العقد يمنعني من إجراء أي لقاء مع وسائل الإعلام المغربية والأجنبية، ويحذرني من التعامل مع أي ملحّن مغربي ويمنعني من المشاركة مباشرة في أي مهرجان. إنه عقدٌ غريب يلزمني بالعديد من الواجبات ولا يخوّلني أي حق.

لهذا أرفض الامتثال له».

لكن نبيل قروي، مالك القناة، يردّ على تصريحات هاجر، قائلاً: «قانون اللعبة معروف. هاجر وقّعت، بمحض إرادتها، وهي في كامل قواها العقلية، خمسة عقود مختلفة. وعليها الالتزام ببنودها، سواء فازت أو لم تفز». وأضاف شارحاً: «لقد صرفنا على هاجر وباقي المشاركين أموالاً طائلة: حوالى نصف مليون دولار للمشارك الواحد. وحين ظهرت هاجر في البرنامج كانت فتاة مغمورة لا يعرفها أحد، و«ستار أكاديمي» حقّق لها الشهرة».

دعم مغربي

أخيراً، دخل محمد زيان، نقيب المحامين في العاصمة المغربية الرباط، على الخط بعد تبنيه قضية هاجر عدنان. وهو يؤكد أن عقد «قروي أند قروي»، «باطل لأنه يبرز التزامات طرف ويغفل التزامات الطرف الآخر. وبه، لن يترتب على عصيان هاجر أي جزاء قانوني». وأضاف النقيب: «إن هذه النوعية من البرامج تغرّر بشباب ومراهقين لا تتعدى أعمارهم عشرين عاماً، يعبثون بعقولهم ويوهمونهم بالمجد والشهرة ويستغلّون صورهم على مدى شهور، ويصنعون لهم انتشاراً وهمياً وفرقعات إعلامية سرعان ما ينجلي ضبابها على أرض الواقع». ونذكر هنا أن «نسمة تي في» تراهن في شهر رمضان على برنامج واقعي ثان بعنوان «دار فاميليا»، وتتنافس فيه عائلات من المغرب العربي على الفوز بمنزل فخم.
شركة «قروي أند قروي» لجأت إلى القضاء وراسلت هاجر مرتين بواسطة عون قضائي. وهي بدورها أوكلت نقيب المحامين في الرباط للدفاع عن حقوقها «المهضومة». لكنّ القضية أكبر من أن يفصل فيها حكم قضائي. إنها قضية صراع مرير بين الفنّ والمال، بين الموهبة الحرّة ومنطق الاحتكار. وهذه معركة طويلة يُحسَب لهاجر عدنان، هذه الجميلة المتمردة، أنها على الأقلّ قد وجدت في نفسها الشجاعة الكافية لإعلانها!




شاهد...«شاف كلّ حاجة»!

رأى المطرب الجزائري بعزيز تجربة «ستار أكاديمي المغرب العربي» تجربة سيئة جداً، قبل أن يعلن رسمياً توقّفه عن العمل لحساب قناة «نسمة تي في»، صاحبة المشروع. وأضاف بعزيز الذي كان يتولى منصب المشرف الفني على برنامج «ستار أكاديمي المغرب العربي» أنّ مالكي القناة التونسية، غازي ونبيل قروي، «حملا شعار الغاية تبرر الوسيلة من أجل إنجاح «ستار أكاديمي» وقناة «نسمة تي في»، حتى لو تعارض ذلك مع كل ما هو متعارف عليه في ميدان الإعلام والإنتاج الفني». ما عجّل برحيل العديد من الفنيين الأجانب الذين رفضوا مواصلة العمل في البرنامج، في ظل هذه الظروف. من جهة أخرى، أكد بعزيز أن الأخوين قروي «سمحا لنفسيهما بالدوس على كل القوانين وتغييرها بما يخدم مصالحهما، حتى لو كان ذلك عبر التزوير والتلاعب في النتائج». وأضاف الفنان الجزائري المقيم في فرنسا أن كواليس البرنامج وأروقته عرفت فضائح غير مسبوقة حيث كانت الإدارة تلجأ في الغالب إلى «أساليب التهديد والمساومة مع طلاب الأكاديمية لإجبارهم على تنفيذ أوامرها». واستطرد قائلاً: «أؤكد أن هناك طلاباً تمّ تدميرهم نفسياً مثل الجزائرية دنيا، كما تعرض الطالب الجزائري جمال إلى أمور فظيعة لا أستطيع الحديث عنها مكانه».
خروج بعزيز المفاجئ قد يخدم موقف نجمة «ستار أكاديمي المغرب العربي»، هاجر عدنان التي وصل ملفها الآن إلى القضاء، وخصوصاً إذا ما قبل الفنان الجزائري الإدلاء بشهادته لمصلحة الموهبة المغربية الشابة ضد الشركة التونسية. فبعزيز الذي كان المسؤول الفني الأول عن هذا البرنامج، شاهد من العيار الثقيل... إنه شاهد «شاف كل حاجة» تقريباً!