strong> حسين بن حمزة
كمن يرمي حجراً في بحيرة. لعل هذا الصورة تختزل جوهر فكرة «مهرجان بيروت لعروض الشارع» الذي ينظم «زيكو هاوس» دورته الرابعة هذا الأيام. ما إن يبدأ عرض من هذا النوع حتى تتخلخل الحركة الروتينية الأزلية للشارع. خاصة أن العرض ينطلق من لحظة مفاجئة وغير معلومة من المشاهدين. عبارة «المشاهدون» هنا قد لا تؤدي المعنى المقصود بدقة. فهؤلاء هم جمهور صدف وجودهم هناك أثناء العرض. العرض هو الذي يذهب إليهم، ويدور على غفلة منهم، قبل أن تلفت انتباههم الحركة الغريبة التي تحدث حولهم. ثم سرعان ما يتخلّون عن ارتباكهم ودهشتهم، ويستمتعون بالفرجة التي تُقدم لهم.
طموح عروض الشارع أو الهواء الطلق يكمن هنا. وهو ما نجحت في تحقيقه العروض الأربعة التي قدمت حتى الآن. ففي عرض «سكن»، جرّب نديم دعيبس أن يتحرى تأثير إغلاق مسرح بيروت على الناس في جواره، سواء من أهل المنطقة أو العابرين فيها. استقر دعيبس قرب واجهة المسرح، وغطى اسم المسرح بلافتة سوداء. بالنسبة إلى شاغلي المكان والمارة، بدا لهم أن شخصاً غريباً نبت فجأة في المكان. في البداية أثار الأمر ريبتهم، قبل أن يعرفوا أن ما يشاهدونه هو تجهيز مسرحي غايته أن يشوّش صورة المكان والحياة اليومية التي تدور فيه. العرض يذكّرهم بأن المسرح مغلق منذ زمن وأنهم تعودوا على ذلك. العرض يستفزهم. يطالبهم بموقف ما.
في عرض «Les Orbilys» لفرقة «أوتر رو» الفرنسية، كان التفاعل أكثر إثارة. فالجمهور المكوّن من متسكعي شارع الحمرا ورواد مقاهيه ومتسوّقي محالّه التجارية عاش لحظة لن تتكرر. فجأة وجد هؤلاء كائنين فضائيين يتجولان بينهم، فتركوا مشاغلهم لفترة وانخرطوا في المشهد. بعضهم التقط صوراً لهما بالهواتف النقالة أو بالكاميرات. حركة السير التي شُلت لوقت قصير جعلت مشاركة سائقي السيارات ممكنة. العدوى انتقلت بسهولة إلى رواد المقاهي الذين تمثل مراقبة الشارع جزءاً أساسياً من جلوسهم هناك.
في عرض «كان ... هنا»، وزّع حسين الصولي عمله على ستة أماكن: على رصيف الـ«ويمبي»، ألصق آثار أقدام مستعيداً مشهد خالد علوان وهو يطلق النار على الجنود الإسرائيليين صيف 1982. أما في شارع مار الياس، فيستعيد وقوف وليد جنبلاط في المكان نفسه وهو يطلق الرصاص من رشاشه. ثم ياسر عرفات (قرب جامعة بيروت العربية) وإبراهيم قليلات (المزرعة) وجورج حبش (تحت جسر سليم سلام) وبشير الجميل (ساحة ساسين). يذكرنا العرض بأن الشارع ليس صورة عن راهنه فقط، وأن ثمة طبقات متراكمة من الأحداث والوقائع. وإذا كان عرض الصولي يكتفي بآثار أشخاص معروفين، فالأرجح أنه أثار خيال كل فرد من الجمهور عن الآثار والذكريات التي يتركها كل يوم في الأماكن التي يذهب إليها. العرض يقول إن الزمن في حركة دائمة بينما المكان ثابت. ما يحدث في الشارع هو جزء من حياتنا وتاريخنا، إننا نعبر على آثار من سبقونا إلى صنع لحظات مرورهم هناك، في انتظار من سيأتون بعدنا ليعبروا على آثارنا.
عرض «نحنا الناس» الذي قدمته فرقة «صورة» فاجأ جمهوره تحت جسر البربير بطريقة أخرى. شابان وفتاة يحمل كل واحد دلواً مليئاً بالجفصين. يظهرون فجأة ويبدأون بطلي وجوههم وأيديهم به، متحولين بالتدريج إلى تماثيل. الفرق أن هذه التماثيل الثلاثة ستتجول على الرصيف وتقطع الشارع إلى الرصيف المقابل. يحتلون صندوق ماسح أحذية ويقومون بعمله. يتشاركون لقاءً إيمائياً مع شاب على كرسي مدولب صدف وجوده بين المتجمهرين...



تتواصل «عروض الشارع» حتى تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. و يقام اليوم عرض «لباس العيد» لفرقة «سيلفر سند فيكتوري» في سنتر ABC (الحادية عشرة قبل الظهر والتاسعة مساءً). ثم عرض «الحضرة المولوية» يوم الثلاثاء 27 أيلول في سنتر المقاصد ـــــ مار الياس، والأربعاء 28 أيلول في فردان سنتر. وتعقب ذلك عروض أخرى يُعلن عنها لاحقاً.