فاطمة داوود
أكثر من أربعين عاماً وراء الكاميرا، أثمرت برامج مبتكرة في عالمي الترفيه والاستعراض: من «بيروت بالليل» إلى فوازير باسم فغالي. واليوم يعود المخرج بقوة، لكنّه لم يعد يكتفي بصناعة نجوم الغناء، بل يعدّ العدة لإطلاق برنامج واقعي لتصدير راقصات الى العالم العربي

عاد سيمون أسمر بقوة إلى عالم الإخراج، موصداً الباب أمام الشائعات التي تحدّثت عن اعتزال «صانع النجوم» جراء وعكة صحية ألّمت به أخيراً، وخرج منها معافى. فها هو اليوم يدير دفّة أبرز البرامج الفنية في «روتانا» و«المؤسسة اللبنانية للإرسال»: يشرف على فوازير «ألف ويلة بليلة» التي يخرجها ابنه بشير هنا، ويخرج برنامج هالة سرحان هناك، ويطلق مفاجأة من العيار الثقيل بعد رمضان.
يبدو أسمر متحمّساً لابتكار البرامج الجديدة، أكثر من أي وقت مضى. وفي حديثه إلى «الأخبار»، يبدأ من باسم فغالي والفوازير التي تتميز باستعراضات لافتة وإنتاج ضخم. يقول: «نشأت فكرة الفوازير منذ أربع سنوات، بالتنسيق مع باسم فغالي. لكن الظروف لم تكن مؤاتية للتنفيذ، بسبب بحثنا الدؤوب عن كاتب جيّد، ثم التقينا الصحافي الياس حدّاد الذي قدّم إلينا النص المناسب. كما أنني حرصتُ على تقديم البرنامج بإنتاج ضخم، لا يقلّ أهمية عمّا عهدناه من فوازير مصر... وبعدما أنجزنا المشروع بكامله في غضون 20 يوماً، وقفتُ أمام باسم فغالي، وقلتُ له: نحن مجانين! وتقويمي الخاص للعمل، أنه برنامج عادي وليس مبهراً».
فنانات كثيرات مثل صباح ونانسي عجرم وماجدة الرومي وأسمهان ونوال الزغبي تعرّضن لانتقادات مبطّنة في الفوازير... إما بالنسبة إلى سلوكهّن أو نمط حياتهن، لكنها لم تصل حدّ التجريح، حسب ما يقول المخرج أسمر. ويوضح: «لا يمكن تجسيد شخصية هذه الفنانة أو تلك كما هي، من دون إضافات طفيفة كاريكاتورية، وإلّا فلن تظهر نكهة فغالي الخاصّة»!

أربعون عاماً وراء الكاميرا

المخرج الذي بدأ مسيرته الفنية في الستينيات بين أروقة القنال 7، يفخر بسنوات خبرته الطويلة. فهو أول من أطلق برامج المنوعات الشعبية التي تحوّلت في ما بعد الى علامة فارقة، تركت بصمة واضحة في الذاكرة: «بيروت في الليل» للمقدّم المصري حسن المليجي، «عندي مشكلة» و«ماما عفاف»، والأهم من كل ذلك «استديو الفن» عام 1972 مع سونيا بيروتي. هذا البرنامج الذي أفرز أبرز المقدمين والمطربين، ومثّل حالة فنية ما زالت تبعاتها مستمرة حتى اليوم.
لكن الانقلاب الحقيقي في مسيرة سيمون أسمر لم يتحقّق سوى عام 1985 حين تسلّم مقاليد برامج المنوّعات في المحطة الوليدة آنذاك LBC. يومذاك، أطلق العنان لمخيّلته، مدعوماً بالإنتاج القوي، ليقدم «افتح يا سمسم» و«ليلة حظّ»، و «زوّار الدار»، «الأول ع LBC»، و«كأس النجوم»، وغيرها الكثير من البرامج التي أسهمت في صناعة نجوم في الإعلام مثل ليليان اندراوس وزياد نجيم ومي متى، إضافة إلى محطة أساسية مع الراحل رياض شرارة. وقد دفعته النجاحات المتتالية الى تأسيس مكتب فني حمل اسم «استوديو الفن» لتبنّي مواهب البرنامج، مكرّساً نمطاً جديداً في إدارة أعمال الفنانين، وهو الاحتكار الذي أدخله في دوّامة من المتاعب والمشاكل القانونية.
اليوم، وبعد رحلة أربعين عاماً في التلفزيون، يحدّد أسمر مفهومه للموافقة على أي عمل جديد: «لا يمكنني إخراج برنامج منوّع، إذا لم أقتنع بمفهومه وأعجب بتركيبته. لذا كان حوالى تسعين في المئة من البرامج التي نفّذتها من إعدادي». لكن ما الذي دفعه إلى الموافقة على برنامج «قناة 5 نجوم» لهالة سرحان، من دون أن يكون حاضراً في الإعداد؟ يجيب مقاطعاً: «اقتنعتُ بشخصية هالة سرحان كإعلامية، وهذا يكفي! أنا مخرج البرنامج فحسب».
لا ينفي أسمر أن اندماج «روتانا» في الفضائية اللبنانية أسهم في تصويره لبرنامج سرحان، لكنه يؤكد أن هالة طلبت منذ البداية أن يخرج هو برنامجها بعدما تعرّفت إليه منذ 9 سنوات في برنامج «زوّار الدار». لكن الاتصالات انقطعت بينهما لفترة، وحين أتت الى لبنان اختارته لتنفيذ البرنامج، فلاقى قرارها ترحيباً من الشيخ بيار الضاهر.

من هيفا إلى محمد عبده

ينفي سيمون أسمر أي خلاف بينه وبين هالة سرحان، فهما «على طول، على الموجة ذاتها». لكن كيف يردّ على اتهام البرنامج «بالتمصرن»؟ يجيب: «لم أصبح مصرياً. هالة تتحدث بلهجة بلدها، أمّا الضيوف، فهم منوّعون جداً. وفي الليالي المقبلة سنستضيف فنانين مثل نجوى كرم ونوال الزغبي ووائل كفوري وهيفا وهبي، إضافة إلى محمد عبده وكاظم الساهر وغيرهم».
لكن هذا ليس كل شيء. أسمر يحضّر لإطلاق ما هو أقوى من ذلك، فبعد أيام قليلة من انتهاء شهر رمضان، تبدأ LBC بعرض برنامج يندرج ضمن خانة تلفزيون الواقع، متخصصّ بالرقص الشرقي. وقال عنه باقتضاب: «نسعى إلى تنفيذ برنامج خاص يطلق راقصة شرقية محترفة، وقد ابتكرت الفكرة بسبب نضوب الراقصات المحترفات في العالم العربي. لكن المشاركة مفتوحة على جميع البلدان. هناك أرجنتينيات وبرازيليات وسوريات ومصريات ولبنانيات أيضاً، وجلّهن من الهاويات، سيتبارين أمام الناس لانتزاع لقب أفضل راقصة شرقية، كما سيخضعن لآراء لجنة مؤلفة من راقصات عديدات مثل نجوى فؤاد وأماني وفيفي عبده وسمارة. وما زالت التحضيرات جارية مع شركة IMAGIC لاختيار العنوان الأفضل له: إما «عالدقّة ونص» أو «إذا ما بتعرفي تغنّي ارقصي» أو حتى «رقّصني يا جدع»!

«ألف ويلة بليلة» 19:00 على LBC
“قناة 5 نجوم” 22:00 “روتانا موسيقى”





في قفص الاتهام

معظم البرامج التي أنجزها سيمون أسمر، دخلت قفص الاتهام من قبل النقاد والمتابعين للوسط الفني، وخصوصاً في ما يتعلّق بتكريس الموجة التجارية السائدة، والتركيز على الاستعراض من دون الاهتمام بالمضمون. أما هو فلا يزال مؤمناً بما يقدمه. والدفاع القوي الذي يتبنّاه عن رؤياه الخاصّة للفن وبرامج المنوّعات، يحمل عنواناً وحيداً: لا تراجع عمّا صرّح به سابقاً. الاحتكار ما زال في قائمة أولوياته، والترفيه سيّد الموقف في جميع البرامج الموقّعة باسمه. ولعلّ فوازير «ألف ويلة بليلة» لباسم فغالي أكثر ما يكشف عن هذا الاتجاه. وعلى رغم اتهام العمل بـ«فقر المضمون، وضعف الأداء الاستعراضي، والتركيز فقط على الاستعراض... يبرر ذلك بأن «شهريار رمى شهرزاد في السجن، ليتعرّف على فنانات القرن 21 و«يتسلّى» بهنّ. لكن ذلك لم يتمّ بقلّة ذوق أو أدب، بل تماشى مع مفهوم الاستعراضات المبهرة».
أما الاتهام الثاني بكونه لم يستطع التأقلم مع موجة البرامج الجديدة مثل «ستار أكاديمي»، فيجيب بأن مثل هذه البرامج أساءت إلى الفنانين لأنها لم تتولّ رعايتهم، بعدما ذاقوا طعم الشهرة لساعات. لكنه، في المقابل، يثني على مبدأ الاحتكار الذي أسس له منذ ثلاثة عقود، وقد سارت على هذا المبدأ لاحقاً شركات الإنتاج مثل «روتانا» و«ميلودي». ويقول: «الاحتكار لا يقوّض انتشار الفنان، بل ينظّمه ويمنح إدارة أعماله الحقّ بامتلاك فنّه. هي (أي إدارته) صرفت جهداً على تدريبه وتربيته الفنية». ثم يؤكد على تشجيعه لمبادرة عمرو دياب بإطلاق برنامج «الأول» لاكتشاف النجوم، «فمصر تحتاج إلى هذه المبادرة، نظراً للمواهب الكثيرة فيها».
وفيما نال أسلوب الإخراج المتبع في برنامج «قناة 5 نجوم» نصيبه من النقد لجهة تقنية التصوير والتنقّل بين الإطارات والزوايا، يبرّر ذلك بأنه أسلوب مرتبط بطريقة تلفزيون الواقع. وهو يختلف عن كل البرامج التي أخرجها سابقاً، إذ يعمد إلى مشاركة المشاهد في الكواليس ولو بجرعات بسيطة. ويشير إلى مسألة دخول مصفّف الشعر إلى الاستوديو خلال حلقة الفنانة أنغام، «ما أضفى عليها بعداً واقعياً بامتياز»، معترفاً بأن تصميم الديكور والغرافيك، لم يرق إلى المستوى المطلوب.
صاحب «استديو الفن» الذي يستعد لإطلاق برنامج جديد يبحث عن راقصة شرقية، لا يأبه للانتقادات التي قد تواجهه، إذ لم يعد ينقص المحطات عندنا سوى تصدير الراقصات!... إنما يتبناها بثقة بالغة: «لطالما كان للرقص الشرقي مكانة مميزة في حقبة الثلاثينيات، وهو فن راق جداً، دعمه الفنان محمد عبد الوهاب في أفلامه. لكن مع تزايد عدد الدخيلات، تعرّض إلى مواجهات قاسية في المجتمع المصري والبرلمان أيضاً. وقد وصلت إلى حدّ المنع في التلفزيون. لذا سنضع معايير صارمة كي نخرّج راقصة ذات مستوى عال من الاحترافية والمهنية». ويشير أسمر في النهاية إلى إمكان تقديمه لموسم جديد من «استديو الفن».