رائد لافي،فراس الخطيب
اضطر محمد إلى منع والدته من استكمال متابعة إحدى حلقات مسلسل «الاجتياح»... إذ إنّ السيدة التي تجاوزت الستين من العمر لم تتمالك نفسها، وبكت طويلاً لدى متابعة مشاهد من العدوان الإسرائيلي اليومي على الشعب الفلسطيني، وخصوصاً مناظر تشييع الشهداء التي أعادت إلى ذاكرتها مشهد تشييع نجلها رامي عندما قتلته قوات الاحتلال في عملية اجتياح مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، وهو في الـ 17 من عمره. هذه المشاهد تنكأ جرحاً لم يندمل بعد. ولهذا السبب، ترى أم محمد أنّ العمل يعبّر عن حال الفلسطينيين ومأساتهم، لذا يحرصون على متابعته...
خلافاً للسينما، لم تحظ القضية الفلسطينية، بمراحلها، بتوثيق تلفزيوني يرتقي إلى مستواها بصفتها حدثاً سياسياً يجب التركيز عليه. وعلى رغم أنّها قابعة على رأس قائمة القضايا الملحّة في الشرق الأوسط، لم تسبر الدراما التلفزيونية أغوار هذه القضية كما يجب ولم تمنحها حقها. كل ذلك إلى أن برز في الأعوام الأخيرة المسلسل السوري «التغريبة الفلسطينية» للمخرج حاتم علي، الذي ألقى الضوء على نكبة الشعب الفلسطيني واللجوء وقصصه المثيرة. وحظي المسلسل يومها بنسبة مشاهدة عالية لدى الفلسطينيين، على رغم قدومه متأخراً 56 عاماً على النكبة. «الاجتياح» يروي مرحلة أخرى من القضية الفلسطينية هي اجتياح الضفة الغربية عام 2002. اختار كاتب السيناريو الفلسطيني رياض سيف، والمخرج التونسي شوقي الماجري، حقبةً سياسيةً في تاريخ الشعب الفلسطيني، بعد الانتفاضة الأولى وانهيار اتفاقية «أوسلو». حقبة جديرة بالتوثيق تلفزيونياً ودرامياً لإطلاع المشاهد العربي على الواقع الفلسطيني في ظلّ الحملة العدوانية العسكرية «السور الواقي» التي يراها الاسرائيليون، في هذه الآونة، «نجاحاً» بمفهومهم العسكري. والنجاح العسكري الاسرائيلي بطبيعة الحال، مأساة فلسطينية. هكذا كانت المعادلة وهكذا بقيت، المأساة دائماً جديرة بالتوثيق. و«السور الواقي» تعني المجزرة في مخيم جنين، وتعني حصار مقر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وتعني أيضاً حرص شارون على كسب التأييد الدولي لمثل هذا الاجتياح والانتهاك والمجازر. في مقابل هذا، كانت هناك قصص بطولة فلسطينية لا تنتهي.
هنا تكمن أهمية العمل الذي يوثّق قضية لا تزال حية في ذاكرة الفلسطينيين. وتقول آمال حسين إن العمل نجح في إعادة تذكير الشعب الفلسطيني بأن العدوان الاسرائيلي لا يزال مستمراً، وهو ما يستدعي ضرورة استعادة الوحدة الوطنية التي طحنتها الأحداث المأساوية الداخلية.
والأهم في «اجتياح»، بحسب الصحافي حامد جاد، أنّ مؤلفه عكس الواقع الفلسطيني وتفاصيل الشخصية والحياة الفلسطينية بأمانة، ومن دون «أدوات تجميل». فهو لم يسع إلى اظهار الفلسطينيين «أبطالاً خارقين»، أو «ملائكة» لا يعرفون للشر طريقاً، بل هم بشر يصيبون ويخطئون، بينهم مقاومون يحملون أرواحهم على أكفّهم وأغلبهم مدنيون مسالمون يبحثون عن حياة آمنة. وأشار جاد إلى أنّ مؤلف العمل ومخرجه استطاعا أن يعكسا من خلال أحداث المسلسل «بطولات الشعب الفلسطيني»، عبر شخصية المقاوم أبو جندل (يؤدي دوره عباس النوري) الذي استشهد في معركة قاسية مع قوات الاحتلال التي اجتاحت مخيم جنين، ولا يزال يمثل «رمزاً» بالنسبة إلى سكان المخيم والشعب الفلسطيني.
على رغم كل ما سبق، لم يستطع «الاجتياح» تحقيق نسبة مشاهدة عالية، تنافس أو تقترب من «التغريبة الفلسطينية». أضف إلى ذلك أن المخرج اختار في الحلقات الأولى إدخال اللغة العبرية إلى النص. أراد تصوير الآخر بلغته. لكنّ اللغة العبرية ظلّت ضعيفة وركيكة. ومن يتقن العبرية، يدرك أنّ توظيفها في «الاجتياح» كان حلقة ضعيفة في المشهد الدرامي القوي، وهو ما أضعف من أداء الشخصيات الاسرائيلية.
فيما ينتقد آخرون بطء الحركة والتطورات في العمل، يرى بعضهم الآخر أن المسلسل «صوّر الاجتياح كأنه شيء جديد على الفلسطينيين، فيما هم معتادون على المآسي». الا أنّ نقطة ضعف «الاجتياح» تكمن في ميله أحياناً إلى رواية الأحداث لا تجسيدها. وهذه الأزمة تتفاقم خصوصاً أنّ المسلسل لم يصوّر في شوارع الضفة الغربية بل في سوريا.
ويشارك في بطولة المسلسل منذر رياحنة، ديما قندلفت، عباس النوري، صبا مبارك، نادين تحسين بك، وغيرهم...

‏21:00 على الفضائية اللبنانية