بيار أبي صعب
كما المهرّج الحزين بعد نهاية العرض، مضى الإيمائي الفرنسي مارسيل مارسو يوم أمس في رحلته الأخيرة. هذا الفتى اللين العود، القصير القامة، البلا وجه، الذي أضحك الملايين، كان خارج الأعمار... رحل عن ٨٤ عاماً، لكنّه حافظ دوماً على مظهره الأوّل، بقي ذلك الشاب الأبدي الذي شق طريقه ذات يوم على المسرح، في فرقة جان لوي بارو ومادلين رونو، في باريس الخارجة من الحرب...
مارسو الإيمائي العالمي الذي يتمتّع بشهرة واسعة من اليابان والصين إلى الولايات المتحدة، بقي بعمر BIP. بطله وصنوه الذي لازمه كظلّه، وجعله يتكلّم ــــ صامتاً طبعاً ـــ عن كل شيء، وصولاً إلى حرب العراق! من منا لم يلمح «بيب» تلك الشخصيّة الهوائيّة، ولو في الصور، من منا لم يسمع عنها؟ بيب بسرواله الواسع، وقميصه المخطط، وقبعته الشهيرة التي شكت فيها وردة حمراء، هو قريب شارلو (شابلن) وباستر كيتون، حفيد Dubureau الإيمائي الشهير الذي أحيا تقاليد الكوميديا دي لارتي في فرنسا القرن التاسع عشر. إنّه صيغة معاصرة من Pierrot الكوميديا دي لارتي، اخترعه «الإيمائي مارسو» كما يعرف، في عام ١٩٤٧ ولمّا يقوم بخطواته الأولى في عالم الإيماء، الذي أعاد إليه الاعتبار خلال النصف الثاني من القرن العشرين، ورفعه طوال ستين عاماً إلى أرقى المراتب الفنيّة.
أسس فرقة الإيماء الوحيدة في العالم، وأطلق مدرسة متخصصة بهذا الفنّ القائم على المخيّلة والشاعريّة والخفّة والرهافة. كما مثل في السينما، ومارس فنّ الرسم. ابن اللحام اليهودي البولوني في ستاسبور كان يقلّد شابلن بشغف. وتشتتت عائلته في الحرب، فيما انضمّ هو إلى صفوف المقاومة... بعدها باتت رسالته هي الدفاع عن الحياة، عن العفويّة والبراءة. بحس ملاحظة خارق، وليونة بدنيّة، ودقّة عضليّة، وخفّة تكاد تجعله خارج الجاذبيّة، رسم مارسو بجسده، بيديه، بوجهه الشاحب المغطى بالأبيض، ملامح البشريّة، ومشاعرها، وتطلعها إلى الارتقاء والتجاوز. معتمداً على تلك اللغة الكونيّة التي هي الإيماء. وإذا كان لا بدّ من فنّان يختصر القرن العشرين بامتياز، فإنّه بلا شك مارسيل مارسو.