القاهرة ـ محمد خير
  • الجائزة المستحدثة هل تنعش النشر وتقلب المعادلات؟


  • هل تُعلَن «بوكر العربيّة» في موعدها؟ الجائزة المقتبسة عن الأصل البريطاني العريق، سبقتها الانتقادات، ورافقتها التكهّنات والشائعات. وفاق الإقبال الهائل على الترشيح لها، قدرة أي لجنة تحكيم على إعلان النتائج في الوقت المحدد (فبراير ٢٠٠٨). يبقى أن هذه المبادرة إذا نجحت في فرض نفسها، وإقناعنا بجديتها وصدقيّتها، فقد تؤثر في المشهد الأدبي، وتستحيل تقليداً يسيّر حركة النشر، ويشرّع لبعض كتّابنا أبواب الرواج

    الإعلان عن الفائز سيتأخر، ليس الفائز الأول فحسب، بل الستة الأوائل أو قائمة الأسماء القصيرة المحظوظة. الشبان المصريون بعيدون عن المنافسة، فيما علاء الأسواني يواصل أفضليته. والعراقيون مرشّحون بقوة، وربيع جابر هو الأوفر حظاً بين اللبنانيين للانضمام إلى قائمة المرشّحين للفوز بأول جائزة «بوكر» عربية.
    قبل أن تبدأ مسيرتها، حتّى قبل أن تسمّي أسماء الروائيين الستّة الذين سيتنافسون على جائزتها الأولى، فإن النسخة الأولى لجائزة «بوكر» العربية ملأت الشارع الثقافي العربي ـــــ والمصري خصوصاً ـــــ بشائعات وتكهّنات، تبدو أحياناً أقرب إلى يقين، أكّده بعض من التقوا أخيراً في القاهرة ماري تيريز عبد المسيح أو بعض من التقوا الذين التقوها!
    تيريز عضو مجلس أمناء الجائزة لم تتحدّث عن تأجيل أو تقديم في مواعيدها المقرّرة: كانون الثاني (يناير) سيكون لإعلان القائمة القصيرة، وشباط (فبراير) لإعلان الجائزة الكبرى. أما الجائزة فهي خمسون ألف دولار أميركي، كما بات معروفــــــــــاً، تقدّمها “مؤسسة الإمارات الثقافية” التي أطلقت الجائزة بالتعاون مع مؤسسة «بوكر» البريطانيـــــــــة، إضافة إلى ترجمة العمل الفائز إلى لغات عدة. مع ذلك، راجت تكهنــــــــات تقضي بتأجيل إعلان النتائج، بسبــــــــب العدد الهائل لدور النشر العربيــــــة التي تقدمت للترشيح. وبالتالي فإن مئات الأعمال الروائيـــــــــة ما زالت تنتظــــــــــر القراءة. أعداد تفـــــــــوق قدرة أيّ لجنة تحكيم مهما كان عدد أعضائها وهم على أي حال لن يزيدوا على ستة أعضاء، كمـــــا تقضي لائحة المسابقة.
    هذه المشكلة ستُحلّ في السنوات المقبلة، إذا اقتصر الترشيح على الروايات الصادرة في السنة نفسها، ولم تتجاوزها، كما هي الحال في هذه الدورة التأسيسيّة، إلى تلك الصادرة في السنوات الثلاث الأخيرة، وهي سنوات جاءت عامرة بإنتاج روائي فائق الغزارة، في مصر على الأقل حيث لم يفوّت أيّ من الكتاب المعروف خلال السنوات الأخيرة، فرصة إصدار عمل جديد... ما يقتضي ترشيحاً محتّماً لـ«بوكر». من أهمّها «تلصّص» صنع الله إبراهيم إلى «واحة غروب» لبهاء طاهر التي يمكن استنتاج ترشّحها من «دار الشروق» رغم إصرار مسؤوليها على سرية الترشيحات. ذلك أنّ رواية طاهر التي صدرت طبعتها الأولى عن «دار الهلال» قبل أقل من عام، لم ترد على قائمة الترشيحات الثلاثة للدار الحكومية العريقة وبينها «الحب في زمن العولمة» للأردني صبحي فحماوي. ويصعب أن تضع «الهلال» هذا الأخير في الطليعة وتتجاهل صاحب «خالتي صفيّة والدير». ولأن الجائزة تشترط عدم ترشح الكاتب أو الرواية من أكثر من ناشر، فذلك يعني أنّ طاهر فضّل الترشيح من «الشروق».
    ما سبق نموذج عن بورصة التكهنات التي تشغل الوسط الأدبي المصري منذ أسابيع! ويمكن تطبيق المنطق نفسه على إبراهيم عبد المجيد، إذ رُشِّحت روايته «شهد القلعة» عن دار «الدار»، ما يعني أنّ روايته «الصياد واليمام» لم تترشّح ضمن قائمة «الشروق»! وبذلك ينحصر الاختيار الثاني لـ «الشروق» بين «نسف الأدمغة» لخيري شلبي و«الزويل» لجمال الغيطاني. أمّا الترشيح الثالث فهو محجوز بالتأكيد لأحد كتّاب «الشروق» الأكثر رواجاً، أي علاء الأسواني وروايته «شيكاغو» التي تحتلّ المساحة الأكبر لتكهّنات الفوز بالجائزة إذا ذهبت إلى روائي مصري. ويعتمد ذلك الرأي على مبيعات الأسواني التي تسجّل سياقاً منفرداً في العالم العربي وأوروبا، وضرورة لفت الانتباه إلى الجائزة في دورتها الأولى من خلال فوز اسم أصبح معروفاً في الغرب (باعت «عمارة يعقوبيان» 180 ألف نسخة في فرنسا فقط).
    وسرت أقاويل في الكواليس، عن قرارات مسبقة، انطلاقاً من ذهنيّة «الكوتا»، تحكم عمل لجان التحكيم «السرية» التي يفترض أن تتغير بكاملها سنوياً. فلا بد من فائز لبناني واحد على الأقل، والأقرب هو ربيع جابر وروايته «بيتيريوس، مدينة تحت الأرض» الصادرة عن «المركز الثقافي العربي»... ولا بد من فائز عراقي لم تحدّده التكهنات، وإن كان يُرجّح أن يكون من أسماء «دار المدى»، وربما دخلت هدى بركات «سيدي وحبيبي» (دار النهار) إذا احتاجت الجائزة إلى وجه نسائي.
    هكذا احتلّت التكهّنات تدريجاً مكان النقاشات والخلافات التي بدأت مبكرة وخفتت بسرعة: اتهامات حول «استعمار ثقافي»، وحديث عن «استلاب للغرب»، بل دونية وعقد نقص... واعتراضات على وضع إنتاجنا الأدبي تحت مجهر «حفنة مستشرقين» ومثقفين، «لا يحتلّون أي أهميّة في بلدانهم الأصلية». قد تكون نقطة ضعف الجائزة، للأسف، على عكس التحفظات والتخوفات السائدة، في غلبة العنصر العربي على لجان التحكيم التي لن تضم سوى «مستشرق وحيد»! فهذا الأمر يشير برأي بعضهم، إلى أن «هذه الجائزة المستحدثة ستحمل عيوب الجوائز العربيّة السابقة، من مجاملات وحزازيات وشللية وحسابات».
    لكنّ تلك الاتّهامات الساخنة، بدورها، لم تصمد طويلاً في وجه سحر الـ«بوكر». فالمسابقة، وإن كانت تنطوي على بعد مادي لا يمكن تجاهله ــــ إذ إنّ خمسة أعمال من الستة الأولى سيحصل كل منها على 10 آلاف دولار، إضافة إلى الخمسين ألفاً الخاصة بالفائز الأول ــــ فإن الجانب المادي يأتي بالتأكيد في المرتبة الثانية، بعد أهمية اسم «بوكر» كجائزة عالمية معروفة ومثار اهتمام النقاد والناشرين في العالم أجمع. الفائز هنا سيضمن قراءة «حقيقية» لأعماله من الجمهور العالمي (الغربي؟)، بدلاً مما اعتاده الكاتب العربي من ترجمة لأعماله من دور نشر أوروبية قليلة التوزيع والتأثير.
    المؤكد أنّ «بوكر» العربية المستحدثة ستؤدي إلى تغييرات مؤثرة في خريطة النشر العربي في الأعوام المقبلة، بعد الانقلاب الذي أصاب علاقة المؤلف بالناشر. قوانين الجائزة لا تسمح للمؤلف بالمبادرة إلى ترشيح نفسه، وتحصر هذا الحقّ بالناشر نفسه، وذلك أسوة بالأصل الأنغلوفوني لـ “بوكر”... مع فارق جذري في العقليّات، بين المجتمعين البريطاني والعربي، وفي قواعد اللعبة وآليات التعامل بين الكاتب والناشر! فهل هذه المرجعيّة الحصريّة، تسلط سيف الناشر العربي على رقبة الكاتب، واضعة الثاني تحت رحمة الأوّل الذي يمتلك في يده «مفتاح» العالمية؟...
    هذا التخوّف بدوره قد يكون مبالغاً فيه. فالإفلات من قبضة الناشر «المتسلّط»، من أسهل الأمور. وقد اهتدى كثيرون إلى الحلّ السحري، في الفترة الأخيرة التي شهدت هروباً للمؤلفين من «براثن» الناشرين. هذا الحل يقضي بأن يستقلّ المؤلف في دار نشر باسمه، ينشر فيها أعماله وأعمال من يشاء. هكذا ستشهد السنوات المقبلة تزايداً لعدد الدور الصغيرة، كما تبدو عليه الحال في القاهرة، حيث لا يكلف المشروع شيئاً يذكر، ما دام الناشر لا ينوي إنشاء مشروع تجاري جدّي. إن غرضه بسيط: ينشر أعماله بنفسه ويرشّح لـ«بوكر» من يريد، كما يريد.