محمد عبد الرحمن
آخر أخبار الدراما المصريّة: شيوخ الأزهر دخلوا مجدداً على الخط، تحت راية «محاربة الفساد الاجتماعي». والنتيجةإحياء فتوى قديمة، تحرّم عقد القران في المسلسلات. لماذا؟ لأن الممثلة التي تتزوج على الشاشة، وهي مرتبطةأساساً، تكون قد تزوجت مرتين...

قبل رمضان بأسابيع، شُغلت الصحف ومواقع الإنترنت المهتمّة بمتابعة أخبار المسلسلات المصرية، بظهور قضية «تعدّد الزوجات» في عدد بارز من المسلسلات الدرامية لهذا الموسم. حينئذ، قال بعض المتابعين إن «الحاج متولّي» سيظهر بنسخ جديدة، فيما راح المؤلفون وكتّاب الدراما، يؤكدون أن هذا التكرار جاء وليد مصادفة بحتة، إذ غالباً ما تظهر في كل موسم خطوط دراما متقاربة، لكن عن غير قصد.
إلّا أنّه، حالما هلّ هلال رمضان، تحوّل النقاش عن «تعدّد الزوجات» من مجرّد رصد درامي لظاهرة اجتماعية، إلى ظاهرة بحدّ ذاتها. ذلك أن عدداً من علماء الأزهر جدّدوا، عبر الصحف والمواقع الإلكترونية، رفضهم لظهور مشاهد الزواج والطلاق على الشاشة في الأعمال التي تنتجها شركات مصرية. وذلك استناداً إلى فتوى صدرت قبل سنوات، واختفت ثم عادت وظهرت بقوة هذا العام، وقد زاد من أهميتها أن غالبية المسلسلات الرمضانية، لا تخلو من حالة زواج واحدة على الأقلّ.
ماذا عن هذه الفتوى؟ وما هو موقف شيوخ الدراما من شيوخ الأزهر؟
تنصّ الفتوى على أن إجراءات الزواج والطلاق لا «هزل» فيها، استناداً إلى حديث نبوي يقول: «ثلاث جدّهن جدّ، وهزلهن جدّ، النكاح والعتق والطلاق». ما يعني عدم الاستخفاف بأي قضية تتعلق بهذه الأمور الثلاثة، أياً كانت الظروف. وبالتالي، فإن ظهور ممثلة وممثل وبينهما مأذون على الشاشة، ثم عقد القران بالطريقة الشرعية، اعتماداً على العبارات المتفق عليها شرعاً، يعني أن الزواج قد تمّ بينهما. وإذا كانت الممثلة متزوجة في الحقيقة، فهي بذلك تجمع بين زوجين!

«تمثيل في تمثيل»!

شيوخ الأزهر اعتمدوا هذا الحديث، وإن كان لم يصدر قرار رسمي بذلك حتى الآن. وفي اتصال مع «الأخبار»، أوضح الشيخ فرحات السعيد المنجي، أحد أعضاء لجنة الفتوى في الأزهر، أن أهل الفن باتوا مطالبين بتجنّب هذه المشاهد، حتى لا يدخلوا في مواجهة مع الجهات الدينية المختصة. وخصوصاً أنهم قادرون على كتابة ما لا يتعارض مع أحكام الشرع. ورفض المنجي التعامل مع الموقف على اعتبار أن هذه المشاهد «تمثيل في تمثيل»، مستنداً إلى الحديث المذكور أعلاه. وذهب إلى أبعد ذلك، قائلاً: «لا يصحّ لرجل أن يقول لشاب يجلس بالقرب منه «زوجتك ابنتي»، فيردّ عليه هذا الأخير بـ«قبلتُ زواجها»، ثم يقنعوننا بأنهم كانوا يمزحون».
لكن ما سبب ظهور هذه الفتوى في الأعوام الأخيرة، على رغم أن عمر السينما المصرية فاق مئة عام، و»الأزهر» موجود منذ ألف عام؟ يقول المنجي إن أمور الدين «مفهاش ليه!... من حقّ أي عالم أن يجتهد في أمر قد جعله العرف عادياً، لكنه ليس شرعياً... وما دامت مجموعة علماء قد ارتأت أن هذا السلوك «فاسد»، فلا بدّ من أن يعلنوا ذلك، وألّا يخشوا في الحق لومة لائم. كما أكد أن عدم تطبيق هذه الفتوى يحمّل القائمين على الأعمال الدرامية أوزاراً ثقيلة، وخصوصاً الممثلين والممثلات ومن يؤدّي دور «المأذون الشرعي»، وهو ليس كذلك. ومضى يشير إلى أن البلبلة التي قد تحدثها هذه الفتوى، « أمر مستحبّ، لأنها ستجبر المؤلفين والمخرجين على تجنّب هذه المشاهد. وهو أفضل من أن تتحمّل إحدى الممثلات وزر الجمع بين زوجين. وإذا كانت عذراء، فلا يمكنها الزواج إلا بعدما يطلّقها زوجها الممثل الذي عقد قرانه عليها أمام الكاميرات»!

أزمة على الشاشة؟

كالعادة، يرمي رجال الدين الكرة في ملعب الذين صدرت الفتوى بحقهم. وهذا العام، يقع عدد كبير من المؤلفين تحت طائلة السماح بزواج الممثلين والممثلات على الشاشة. أما الشهود فهم فريق العمل والجمهور أيضاً! كيف لا ومسلسلات «المصراوية» و«أولاد الليل» و«يتربّى في عزو» و«سلطان الغرام» و«رجل غني فقير جداً»، تشهد كلّها ظاهرة تعدّد الزوجات؟ وإن كان بعضها قد أفلت من هذه الأزمة، مثل «رجل غني فقير جداً» لمحمد صبحي، إذ إن كل زيجاته تمّت قبل بداية الأحداث، فإن باقي المسلسلات شهدت وستشهد حتى نهاية رمضان، حالات زواج متعددة.
وفيما تحفّظ عدد من المؤلفين الذين تحدثت إليهم «الأخبار» عن الخوض في نقاش هذه الفتوى والردّ على علماء الأزهر، وصف بعضهم ما يحدث بأنه استكمال لمحاولات محاصرة الإبداع الفني، سواء من جهات سياسة أو رقابية أو دينية. وقال المؤلف الشاب محمد سليمان الذي يدخل سباق الدراما للمرة الأولى مع مسلسل «أولاد الليل»، إن هذه الفتوى تتردد كل فترة لكن لم يصدر من الأزهر قرار رسمي بشأنها بعد. وقال: «من المتوقع ألا يصدر هذا القرار، لأن الأزهر أكبر من أن يدخل معركة من هذا النوع، لا تضرّ ولا تنفع. وكما قبلنا أن يشرف الأزهر على المسلسلات الدينية، نرفض وبشدة أن تتعدّد مستويات الرقابة على الأعمال الإجتماعية». وفي «أولاد الليل» الذي لم ينته تصويره بعد، يضمّ السيناريو مشهد «عقد قران» بين جمال سليمان وروجينا. لكن المؤلف يتوقع أن ضيق الوقت قد لا يسمح للمخرجة السورية رشا شربتجي بتصوير المشهد، وأضاف: «هل تعني فتوى الأزهر أن كل فتاة قالت لوالدها في المسلسل إنه وكيلها في عقد القران، يصبح وكيلها فعلاً؟».
من جانبه، قال السينارست يوسف معاطي إنه لم يتجنّب مشهد عقد القران في الحلقة الأولى من مسلسل «يتربي في عزو» تأثراً بهذه الفتوى، فهو لم يسمع بها أساساً. ويوضح: «الحتمية الدرامية كانت تسير في اتجاه أن يتزوج حمادة عزو حبيبته إيناس بسرعة، لدرجة أنه لم يهتمّ أين وكيف سيعقد القران». وعن الفتوى، قال إن هذه الأمور يجب ألّا تعتمد على تصريحات صحافية من بعض الشيوخ على رغم احترامنا لهم... الأزهر مطالب بالإعلان عن موقفه، ثم على صنّاع الدراما والفنانين مناقشة هذا الموقف والرد عليه، بعد دراسة القضية من جميع جوانبها».

«سلطان الغرام» 00:00 على mbc
«يتربى في عزّو» 21:00 على «المستقبل»
«أولاد الليل» 22:30 على قناة «سين»





للمسلسلات أيضاً شباك تذاكر

ربما لأنه نجمٌ سينمائي بالأساس، كان السبّاق والأكثر شجاعة في المطالبة بتطبيق هذه الفكرة التي لو نفّذت، لكانت غيّرت الكثير في اقتصاديات صناعة الدراما... نور الشريف طالب أخيراً بأن تتساوى المسلسلات المميزة بالأفلام السينمائية، في أسلوب شراء حقّ العرض على المحطات الفضائية.
كيف؟ مثلما يبيع المنتج السينمائي حقّ العرض لمرة واحدة إلى قناة معينة، ويحدد في هذا العقد عدد مرات البثّ المسموح للمحطة الفضائية أن تستفيد منها، يرى نور الشريف أن المسلسل الناجح لا يصحّ أن تعرضه القناة عشرات المرات، وتساويه بالمسلسل العادي. خصوصاً أن المُتّبع حالياً هو أن تشتري المحطة المسلسل لمدة خمس سنوات، وهو ما يعطيها الحق بأن تعيد عرضه في أي وقت تشاء. وهذا ما يفسر سرّ الإعادة المكثفة لمسلسلات نور الشريف ويحيى الفخراني تحديداً على معظم المحطات. لكن هل تلقى دعوته استجابة؟ يقول محمد فوزي، منتج مسلسل «الدالي»، إنه بدأ تطبيق الفكرة فعلاً هذا العام: فالمحطات التي اشترت «الدالي» يسمح لها بعرضه في رمضان فقط، على أن تعرضه للمرة الثانية بعد مرور عام كامل. وإذا أرادت عرضه خلال هذا العام، يجب عليها أن تبرم اتفاقاً جديداً، مشيراً إلى أن الفكرة تصبّ في مصلحة الجميع، وتزيد من دخل المنتجين بما يساعدهم على إنتاج أعمال أفضل في المستقبل.
أما المنتج محمد شعبان، فرأى صعوبة في التنفيذ، لأن أسعار العرض والطلب ستنخفض إذا اقتصر ذلك على عام واحد. ويقول: «سيواجه المنتجون أزمة بيع العمل مرة أخرى. ثم كيف ستتشجع محطة على شراء حق عرض مسلسل لمرة واحدة مثلاً، وبسعر مرتفع، فيما لم تختبر مدى نجاحه مع الجمهور؟».
تجدر الإشارة أخيراً إلى أن المنتج السينمائي يسمح بعرض الفيلم على المحطات الفضائية بطريقة غير محددة، في حالة واحدة. وهي أن تشتري المحطة «نيغاتيف» الفيلم أي حق عرضه مدى الحياة، والسعر في هذه الحالة لا يقل عن خمسة ملايين جنيه (نحو 900 ألف دولار). فهل تنتقل السينما وسياسة شباك التذاكر قريباً إلى الشاشة الصغيرة؟

22:30 على LBC (ما عدا الثلثاء والخميس)