مع إغلاق دور السينما وانحسار المسارح وفرض حظر التجول الذي قضى على الحياة الليلية في بغداد، يعود العراقيون الى ممارسة إحدى عاداتهم القديمة وهي عزف الموسيقى... ولكن في منازلهم فقط.يقول رغيد وهو صاحب آخر متجر لبيع الآلات الموسيقية في وسط بغداد «معظم زبائني اليوم من الهواة بعد أن كان الموسيقيون الكبار في العراق هم من روادنا لكنهم غادروا البلاد بسبب الأحداث الراهنة».
ويضيف رغيد، الحاصل على شهادة الماجستير في الفنون الموسيقية من أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد، «كنا نبيع في زمن النظام السابق الآلات الموسيقية الى العديد من الفرق الموسيقية التي كانت تنتشر في البلاد وتحيي حفلات موسيقية فنية وشعبية، لكننا اليوم نبيع الآلات فقط للهواة الذين يرغبون في تعلم العزف في منازلهم أو لغرض التسلية».
واللافت أن شوارع بغداد تصبح خالية قبل الساعة الثامنة مساءً بسبب تدهور الأوضاع الامنية وحظر التجول، فيضطر البعض الى اللجوء الى الآلات الموسيقية لقضاء الوقت والتغلب على الملل كما أنّ لبثّ برامج الهواة عبر الفضائيات تأثيراً كبيراً عند الشباب الذين يأملون المشاركة في تلك البرامج
يوماً.
ويشير رغيد الذي ورث هذه المهنة عن والده أنّ «أسباب انحسار الفن والموسيقى بشكل عام في العراق يعود أيضاً الى اتجاه البلد الى منحى ديني متطرف يرفض الفنّ والفنانين».
مع العلم بأنّ الفنانين والفرق الموسيقية المحلية تعرضوا لتهديدات كثيرة لترك عملهم فيما تعرّض فنانون معروفون للضرب في أنحاء متفرقة من البلاد على أيدي جماعات تنتمي الى أحزاب دينية وأخرى إسلامية متطرفة.
يشار الى أن معظم المطربين والفرق الموسيقية غادرت العراق بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003 ويعملون حالياً في بلدان الجوار وخصوصاً في الأردن وسـوريا.
بدوره يقول عباس كاظم مدرّس الموسيقى للهواة إن «أكثر الذين يدرسون الموسيقى ويمارسون هواية الاستمتاع بها يفضلون البقاء في منازلهم خوفاً من أعمال العنف اليومي فلا مجال للمشاركة في أيّ نشاط فنّي أو أمسية موسيقية مثــــلاً». ويــــــوضح أنه يشرف الآن علـــى تعليم أكثــــــــر من 15 طالباً في منــــــزله كـــــــــل شهــــــــر عبر دورات فنيــــــة تتضـمّن سبـــــــــل تعلم الموسيقى وكيفيــة التعامل مع الآلـــــة الموسيقية والعزف عليها.
وكانت بغداد تزخر بالمتاجر التي تختص ببيع الآلات الموسيقية، وكان شارع الرشيد، الشهير بمكتباته في وسط بغداد، يقصده الفنانون العراقيون والأجانب لشراء الآلات ومنها العود الشرقي الذي يتميز بزخارفه الخشبية. أما اليوم فقد أغلقت هذه المحال أبوابها وأصبح الشارع العريق شبه خال بسبب إغلاق أحد منافذه من قبل القوات الأمنية.
(أ ف ب)