strong>بشير مفتي
لعلّ حساسيّة زائدة تحكم علاقة المثقفين المغاربة بكل ما يصدر من الجزائر. وهم يغضبون بسرعة ما إن يصدر مسؤول جزائري موقفاً أو بادرة معينة، كتلك التي قام بها الشاعر عز الدين ميهوبي، مدير الإذاعة الوطنية الجزائرية، بمنع أغاني رضا الطلياني على أمواج الإذاعة، وذلك بعدما «أقر» مغني الراي الشاب بـ«مغربية الصحراء الغربية». وأغلب الظن أنّ هذه الخطوة جاءت بمبادرة شخصية من الشاعر الجزائري، الذي كان يرأس اتحاد الكتاب الجزائريين. وقد اشتهر بتجريد الاتحاد من أي استقلالية، ولو بسيطة، أو هامش مناورة مع السلطة. وهو اشتهر أيضاً بحب التملّق للسلطة والنظام السياسي في الجزائر. هكذا، راح يترجم ولاءه بهذا السلوك الذي يمسّ في نهاية المطاف حرية التعبير والرأي والموقف. إلا أنّ بادرة منع بث أغاني رضا الطلياني، تشبه إلى حد بعيد ما يفعله الكثير من الصحف المغربية مع أي مثقف أو سياسي، يقف مثلاً مع القضية الصحراوية. هكذا، يتحوّل فجأة إلى خائن ومرتد. أمّا الطلياني، فقد استغرب أن يوضع في هذا الموضع الغريب عليه، ذلك أنّ أغانيه لا تعكس، شأنها شأن أغاني الراي، أي موقف سياسي، لا داخلي، ولا خارجي. ونادراً ما سمعنا موقفاً سياسياً لأي مغني راي من هذا النوع في سياسة البلاد. مغنّو الراي يحكون عذابات الحب، ومشاكل المراهقين من جنس ومخدرات ومثلية جنسية... وقد عبّر الراي في بداية الثمانينيات عن حال اجتماعية جديدة، لم تكن تلتفت إليها السلطات، وهي أن المجتمع الجزائري لم يعد يؤمن بالأغاني الوطنية والاشتراكية الرسمية، بل صار يريد مَن يعبر عنه بصورة واضحة ومباشرة من دون لف أو دوران.
قبل أيام، شُنت حملة واسعة على الفنان الجزائري الشعبي الشاب بعزيز، المعروف بأغانيه السياسية التي تعترض على النظام والرئيس والجنرالات وغير ذلك، واتهمته بالخيانة لأنه قدّم تلك الأغاني في تونس. هذا الفنان الملتزم الذي يعبر بالفعل عن موقف سياسي معترض، استغل مرةً حضوره في برنامج غنائي ذائع الصيت في التلفزيون الجزائري ليغني واحدة من أغانيه اللاذعة ضد الجنرالات ذوي الكروش الضخمة. وقد أعرب البعض في الجزائر عن استيائه من ذلك، وراحت إحدى الصحف في صفحاتها الأولى تتّهمه بالخيانة الوطنية. لكنّ الكثير من المثقفين والكتاب دافعوا عن بعزيز الفنان، وشبهوه بالمخرج الأميركي مايكل مور الذي ينتقد ويسخر ويستخف ببوش، من دون أن يناله أي عقاب، لأنّ حرية الرأي مضمونة ومصانة وعزيزة على الأميركيين.
إذاً، لا الجزائريون ولا المغاربة في وضع ديموقراطي يسمح لهم بأن يعطوا دروساً في طبيعة أنظمتهم التي تشبه طبيعة النظام العربي بأكمله. هذا النظام الذي يرى أنّ أي خروج عن الرأي السائد هو خيانة صريحة. طبعاً، لكل بلد خصوصياته، وقد دفعت الجزائر ثمن ديموقراطيتها بالدم والأرواح. وهي تعاني من مشاكل في حرية التعبير، رغم أنّ نضال الصحافيين الجزائريين لم يتوقف قطّ لاستعادة هذه الحرية الكريمة. لكنها كغيرها من البلدان العربية، تنتمي إلى ثقافة ما زالت ترفض الاختلاف والتنوّع، وتريد أن تبقى أسيرة أوهام وطنيات قاصرة عن مسايرة حركة العالم العابرة للدول والوطنيات.