محمد عبد الرحمن
يخطئ من يطلق العنان لمخيلته بشأن استقلال المؤسسات الإعلامية المصرية. فهي تخضع في النهاية لسلطة رجل واحد هو وزير الإعلام أنس الفقي. بمعنى أدقّ، لا فرق شاسعاً بين وزارة الإعلام واتحاد الإذاعة والتلفزيون، ثم الشركة المصرية للأقمار الصناعية «نايل سات»، ومعها مدينة الإنتاج الإعلامي... الكلّ يتحرّك تحت مظلّة الإعلام الحكومي الذي يقف بالمرصاد وبأساليب لا حصر لها، ضدّ أي محاولة حقيقية للتعبير عن الرأي الآخر، حتى لو جاء هذا الرأي من شخصيات اشتهرت بعدم معارضتها للنظام السياسي في البلد. أخيراً، واجه عمرو أديب، مقدم برنامج «القاهرة اليوم» الشهير على «أوربت»، سلسلة من «عقوبات ماسبيرو» التي تتجدد كل فترة من أجل «تأديب» المخالفين، أياً كانت انتماءاتهم السياسية.
اللافت أن عمرو أديب هو شقيق الإعلامي عماد الدين أديب الذي انفرد بحوار مع الرئيس حسني مبارك قبل عامين. أضف إلى ذلك أن علاقة أسرة أديب بالنظام السياسي جيدة عموماً. كذلك فإن زوجة عمرو أديب هي لميس الحديدي التي تقدم منذ عام تقريباً برنامج «إتكلم» على شاشة التلفزيون المصري، وقد استضافت جمال مبارك في إحدى الحلقات. لكن الصورة بدأت تتغير منذ بدأت الحديدي تقديم برنامج «المانع والممنوع» في رمضان. هذا البرنامج الذي عانى مراراً من مقصّ الرقابة، استضاف قبل يومين الشيخ خالد الجندي. وخلال حديث هذا الأخير عن عمرو أديب، تمّ إخفاء صوته عبر استعمال الصفارة على الهواء. حينها، تأكد الجميع أن أديب بات ممنوعاً على التلفزيون المصري. وكذلك زميله الصحافي خيري رمضان. والأخير هو من الأسماء البارزة في جريدة «الأهرام»، أكبر الصحف المصرية وأعرقها. أما الجريمة فهي أن أديب وخيري اعتادا الحديث عن قضايا حساسة في برنامج «القاهرة اليوم» الذي فشلت برامج «ماسبيرو» في منافسته. ولعلّ أكثر ما أثار استياء الحكومة هي حلقة «رغيف العيش» التي انتقد فيها أديب مكونات وطريقة صناعة الخبر في مصر. ورأى منتقدوه أن هذه القضية شأنٌ داخلي، لا يحقّ للإعلامي المصري مناقشتها على أثير قناة تمويلها سعودي. وهي الحجة التي تتكرر كلما خرج صوت يعارض أموراً معينة: هذا تمويله خليجي وذلك مدعوم من جهات أميركية، تريد التدخل في شؤون مصر. وقال عمرو أديب في تصريحات لصحيفة «البديل» إنه لم يتلقّ أي تعليمات تحظر مناقشة قضايا معينة، واصفاً قضية «رغيف العيش» بأنها ليست سراً عسكرياً. كذلك جمهور البرنامج والمعلنون هم في غالبيتهم من مصر. وأكد أديب أنه مستعد للتوقف عن الخوض في تلك الأمور إذا صدرت تعليمات بذلك. وأشار إلى أن حديث بعض الجهات السياسية عن إمكان إغلاق مكاتب «أوربت» في مصر أمر يدعو إلى الحزن، لأن هذه الشبكة تضمّ العديد من الكفاءات المصرية. لكنه في أي حال من الأحوال، سيجد الشاشة التي يعبر من خلالها عن وجهة نظره، رغم أنف «ماسبيرو».