تونس ــ حسان طاهري
نجحت تظاهرة «موسيقات» التي يحتضنها قصر النجمة الزهراء في سيدي بوسعيد (الضاحية الشمالية للعاصمة التونسية)، في منافسة مهرجان «المدينة» العريق الذي يحتفل هذه السنة بيوبيله الفضي. ولعلّ العلاقة وطيدة بين لحظات الوجد في البيوت القديمة التي عرفت العاصمة كيف تحافظ عليها، وبين مواعيد الغناء الأصيل في القصر الذي بناه مطلع القرن العشرين البارون ديرلانجيه، هذا المستعرب الفرنسي ـــ الألماني المولع بالموسيقى الشرقيّة.
«موسيقات» الذي يُختتم في 6 تشرين الأول (أكتوبر) يهدف إلى التعريف بالموسيقى التقليدية والفولكلورية والشعبية في تجلياتها المختلفة. هكذا، ستُختتم الدورة الثانية التي ينظّمها «مركز الموسيقى العربية والمتوسطية» وشركة «سكوب»، بحفلة للفنانة مناجاة يولتشيفا من أوزباكستان. وتُعدّ هذه الفنانة من أبرز مؤدي الموسيقى المتقنة في آسيا الوسطى وقد اشتهرت بأدائها أغان كلاسيكية وشعبية أوزبكية.
برنامج «النجمة الزهراء» جاء منوعّاً. فهو يستضيف 13 عرضاً فنياً من 12 بلداً هي: تونس وتركيا والبرتغال والمغرب وسوريا وجزر الراس الأخضر والنمسا ورومانيا وباكستان وايران واسبانيا وأوزباكستان. وقد افتتحت التظاهرة الفنانة التونسية زهرة الأجنف التي قدّمت أغاني تراثية من منطقة قفصة في الجنوب التونسي. وتقوم تجربة هذه الفنانة على إحياء المخزون والموروث الموسيقي الشعبي في الجنوب التونسي، وإعادة صياغة المادة الموسيقية الأصلية للأغاني التراثية في قالب جديد.
وبين الحفلات البارزة، نذكر تلك التي قدّمها التركي خليل كرادومان. عزف الفنان التركي على آلة القانون إلى جانب فرقان بيلغيلي (كمنجة) وامبرو الله سنغولار (فيولونسيل) وعزت كيزيل (إيقاع). وقد تعلّم كارادومان فنّ العزف على القانون منذ سن الخامسة، وإليه يعود الفضل في تجديد تقنيات العزف على آلة القانون. والمعروف أنّ كرودمان استعاد العديد من الألحان التقليدية لموسيقيين أتراك ذائعي الصيت مثل تاتيوس افندي (1858- 1913).
أما فرقة «كناوى هوم سونغ» من المغرب، فارتكز عرضها على أغانٍ تسرد الحياة اليومية. وموسيقى الكناوى في المغرب، تستمدّ جذورها من عمق التقاليد الموسيقية الأفريقية المغاربية التي تعدّ حصيلة لعملية تمازج فني بين المجموعة المنحدرة من أصول أفريقية والمجتمعات المحلية المغاربية.
ولفتت المطربة السورية لبانة القنطار الأنظار، قبل يومين إذ حظي عرضها بنجاح حقيقي. برهنت القنطار عن قدرة على التنقّل بين المقامات، مؤديةً مجموعةً من الموشحات الشرقية والأغاني الخالدة مثل «منيتي عز اصطبارى» و«يا ليل الصب» و«لا تلمني» و«ارجعي يا الف ليلة غيمة العطر». وتعدّ لبانة القنطار من أنجح فنانات جيلها في مجال الغناء الأوبرالي الذي درست أصوله وقواعده في المعهد العالي للموسيقى في دمشق، وواصلته في هولندا. وقد اختيرت عام 2000 بين أفضل خمس مغنيات أوبرا في العالم، خلال مسابقة «الملكة اليزابيث» في بلغراد. وقبل سيدي بو سعيد، اعتلت لبانة القنطار أشهر خشبات المسارح في ألمانيا و فرنسا وبلجيكا. وسيقدم «القوالي» عاصف علي خان من باكستان عرضه في الثالث من الشهر المقبل، وهو يعدّ اليوم من أبرز خلفاء شيخ «القوّالين» نصرت فتح علي خان. و«القوالي» هي عبارة موسيقية رافقت نمو الحركة الصوفية في شبه الجزيرة الهندية وتطورها. كما سيقدّم رضا غرياني من إيران حفلةً في 4 تشرين الأول (اكتوبر) يؤدي خلالها الموسيقى الكلاسيكية الإيرانية المعروفة بالرديف.
وتمثّلت المشاركة الأوروبية في هذه الدورة، بأربع سهرات أحيتها المغنية البرتغالية المعروفة Misia التي قدّمت أغاني الفادو القديمة والجديدة... وتعدّ ميسيا من أبرز وريثات شيخة الفادو أماليا رودريغيز. أما هاري ستويكا من النمسا، فعزف نماذج من الموسيقى الغجرية. وشارك اورس كارباتس من رومانيا، فيما يقدّم كارلوس نوناث مقتطفات من الموسيقى السلتية التي تنتمي إلى تراث منطقة غاليسيا الإسبانية.
www.musiqat.com