محمد عبد الرحمن
انتظرت الكاتبة لميس جابر أكثر من عشر سنوات لتقنع منتجاً بتصوير سيرة آخر رموز الملكيّة في مصر. اليوم يطل علينا «الملك فاروق» بإمكانات فنية سوريّة (حاتم علي/ تيم حسن) وإنتاج سعودي (mbc)... هل احترم المسلسل التاريخ؟
بعد قيام ثورة يوليو، تجنّب المصريون ـــــ بحكم خبرتهم الطويلة مع الحكّام ـــــ إطلاق اسم «فاروق» على أيّ مولود جديد إلا في ما ندر. ذلك أنّ الملك فاروق كان الرجل الأوّل الذي طاردت الثورة ذكراه في كل مكان، بعدما رحل عن البلاد في 26 تموز (يوليو) 1952. لكن، ولأن دوام الحال من المُحال، فقد تغيّر الوضع تماماً في رمضان 2007، إذ أصبح اسم «فاروق» حديث الناس، بعدما جذب المسلسل الذي يروي سيرته جمهوراً يتابع للمرة الأولى عملاً درامياً، يرصد بعمق أحوال مصر السياسية بين ثورتي 1919
و1952.
وبينما أجمع المؤرخون على أنّ ثوار تموز (يوليو) طمسوا التاريخ المصري الحديث، منذ انتهاء ثورة سعد زغلول وحتى حريق القاهرة، كان للدكتورة لميس جابر والمخرج حاتم علي رأيٌ آخر. إذ نجحا هذا العام في تقديم صورة مختلفة وقريبة من الواقع إلى حدّ ما عن الملك فاروق والعائلة المالكة والأحزاب المصرية، خلال الفترة الممتدة من 1936 حتى وفاة الملك.
وفيما راهن بعضهم منذ البداية على أنّ المسلسل لن يحظى بنسبة مشاهدة عالية، خالف «الملك فاروق» جميع التوقعات، ونجح أولاً لدى الجمهور المصري، ثم المشاهدين العرب.
بدايةً، توقع المتربصون بالمسلسل ألا يجيد الممثل السوري تيم الحسن اللهجة المصرية. كما أنّ الخلافات التي نشبت بين الفنيين المصريين وزملائهم السوريين في الكواليس، أعطت انطباعاً بأن سيطرة حاتم علي على موقع التصوير لم تكن كاملةً. إضافة إلى الصعوبات التي واجهت فريق العمل في دخول القصور الملكية... لكن تيم أجاد الدور واللهجة، والممثلون جميعاً قدموا أدواراً مميزة، وخصوصاً وفاء عامر (الملكة نازلي)، ومنة فضالي (الملكة فريدة) إذ يعدّ هذا العمل الأفضل في مشوارهما على الإطلاق. حتى عزت أبو عوف الذي يطلّ في «الملك فاروق» في شخصية تاريخية مثيرة هي أحمد حسنين باشا، جذب الانتباه هنا أكثر من شخصية زكي الدسوقي في «عمارة يعقوبيان»، ورجل الأعمال الفاسد في «رجل غني فقير جداً». أما بالنسبة إلى الصورة والإضاءة والديكورات، فقد جاءت جميعها مبهرة.
وإذا كان المشاهد المصري قد وجد في المسلسل فرصةً للاطلاع على حقبة مجهولة من تاريخ مصر، فإن الجمهور العربي ـــــ خصوصاً محبي الدراما السورية ـــــ وجد نفسه أمام عمل يحمل توقيع مخرج متميز هو حاتم علي، ويروي سيرة ملك لا يعرف الكثير عنه، علماً بأنّ سيرة فاروق بحدّ ذاتها تستحق المتابعة، بحكم الدارما التي عاشها الملك الشاب، والأحداث الساخنة التي مرّت بها المنطقة خلال فترة حكمه، والنهاية المأسوية التي واجهها جميع أفراد عائلة محمد علي باشا.
لذا، كان متوقعاً أن يثير المسلسل اهتمام النقاد والمؤرخين على حد سواء. وهو ما أكده الناقد طارق الشناوي في اتصال مع «الأخبار»، واصفاً المسلسل بالعمل «القريب من الجمهور الذي وضع المشاهدين أمام شاشة مميزة». وشدد الشناوي على أنّ المسلسل يروي حقبة تاريخية غائبة عن المصريين، «حتى المسلسلات التي رصدت هذه السنوات، كانت تركّز إما على القضايا الاجتماعية أو تدين العائلة المالكة على طول الخط». لكن إعجاب الشناوي بالمسلسل، لم يمنع تحفظه على بعض النقاط. ولعلّ أولها ما يتعلق بلغة الحوار التي تضمنت كلمات حديثة مثل «طنّش». وثانياً، التركيز على علاقات الملكة نازلي العاطفية، وهو ما دفعه إلى القول إنّ لميس جابر حاولت جذب الجمهور العادي لمتابعة سيرة ملكة تحبّ وتعشق، والدليل حصر شخصيتها في هذا الإطار فقط. كما انتقد طغيان الجانب الكوميدي على شخصية الزعيم مصطفى النحاس (يؤديها صلاح عبد الله).
أما الدكتور فؤاد بدراوي، نائب رئيس حزب الوفد، فأشاد بالدقة التاريخية التي حرصت عليها لميس جابر. وقال إن هناك حوارات بين مصطفى النحاس وزوجته زينب الوكيل، لا يعرفها إلا عدد قليل جداً من أقطاب الوفد، مؤكداً أن المسلسل لم يرصد فقط حياة الملك فاروق ـــــ أياً كان الاتفاق أو الخلاف حول دوره التاريخي ـــــ وإنما عرّف الناس بزعماء الوفد ودورهم الوطني حتى قيام الثورة، وخصوصاً أن الأعمال الأخرى ركّزت على شخصية سعد زغلول فقط، حتى أن الكثير من شوارع القاهرة تحمل أسماء زعماء سياسيين، لم يعرف الجمهور عنها شيئاً إلا من خلال المسلسل. هذا إضافة إلى تسليط الضوء على شخصيات مثل أحمد ماهر ومكرم عبيد، والأخير صاحب العبارة الشهيرة «أنا مسلم وطناً وقبطي ديناً». لكن بدراوي اتفق مع طارق الشناوي على أن مصطفى النحاس كان سريع البديهة وعفوياً، لكنّه لم يكن خفيف الظل، و«صاحب نكتة»، كما صوّره حاتم علي.
هذه الملاحظات ردّت عليها المؤلفة لميس جابر في لقاء مع «الأخبار»، مؤكدة أن لغة المسلسل تعتمد على مصادر ومعلومات مستقاة من شخصيات، عايشت تلك الفترة. وقالت: «عندما ترى الملكة نازلي على سبيل المثال «تدعو على» محمد علي توفيق بالطريقة المصرية، فهذا لأنّها فعلاً مصرية لا تركية... وهي حكماً لن تقول ذلك بالفصحى». كذلك نفت أن تكون قد استغلت علاقات الملكة العاطفية لجذب اهتمام الجمهور، مؤكدة أنّ تاريخ نازلي أثبت أنها لم تقم أي علاقة غير شرعية، إذ تزوجت أحمد حسنين رسمياً وبموافقة ابنها الملك. وأضافت أن ظهور الملك بـ«الشورت» أغضب بعضهم، مع أنه كان يسير حافي القدمين داخل القصر... لكن الأعمال الدرامية على مدى ثلاثين عاماً قدمته دائماً جالساً على كرسي العرش، مرتدياً الملابس الرسمية كأنّه ينام فيها. ورفضت اتهام المسلسل بالبطء في الحركة والأحداث، قائلة إن الأحداث اختُصرت كثيراً على الورق ومع ذلك خرج المسلسل في 33
حلقة.

23:00 على mbc





تشويه صورة عبد الناصر؟

انتظرت لميس جابر أكثر من عشر سنوات، حتى خرج مسلسل «الملك فاروق» إلى النور، حتى إن زوجها يحيى الفخراني الذي كان المرشح الأول للدور، اعتذر بسبب تقدّمه في السن، وذهب العمل بعد ترشيحات عدة، إلى السوري تيم الحسن.
إلا أن نجاح المسلسل في إقناع الجمهور بأنّ الملكية لم تكن «شيطاناً رجيماً» كما صورها مؤرخو الثورة، أسهم في تأكيد بعضهم على أن التمويل السعودي للمسلسل، يهدف إلى الحد من شعبية جمال عبد الناصر الكبيرة، على رغم مرور 37 عاماً على رحيله، ما دفع بالسيناريست أسامة أنور عكاشة إلى مهاجمة العمل، قائلاً إنّ المسلسل ـــــ من الناحية التاريخية ـــــ يريد تجميل صورة، يعرف كثيرون أنها قبيحة، وذلك على اعتبار أن فاروق كان ملكاً فاسداً متسلطاً، وإلا لما انحاز الشعب إلى الثورة... وأكد في تصريحات إلى «العربية. نت» أن النظام الملكي الذي سيّر به أحفاد محمد علي باشا شؤون مصر، «نظامٌ كريه بعيدٌ عن الديموقراطية كل البعد».
لميس جابر ردت على هذه الاتهامات، بأنها وضعت الكرة أولاً في ملعب التلفزيون المصري الذي تجاهل طوال سنوات طويلة مشروع «الملك فاروق»، بل إن ممثلين مثل أحمد عز وأحمد السقا رفضوا الجلوس على عرشه. وبالتالي، لم يكن أمامي إلا احترام القناة التي تشجّعت وقررت إنتاج المسلسل، مؤكدة أنها كتبت «الملك فاروق» فقط من أجل تسليط الضوء «على مصر ما قبل ثورة يوليو، أي أن فاروق ليس الهدف الوحيد... هناك حزب الوفد، والاحتلال الإنكليزي وغيرها من الملفات التي برزت في تلك المرحلة، وهي لم تأخذ حقها درامياً طوال عقود متتالية». جابر قالت أيضاً إن التلفزيون المصري لم يطلب حتى الآن من mbc الحصول على حق البث الأرضي للمسلسل سواء خلال رمضان أو بعده. وعن تخصّصها في الكتابة عن أسرة محمد علي، تقول إنها لن تكمل المشوار على هذا المنوال لأنها لن تنتظر سنوات أخرى كلما أرادت الكتابة عن شخصيات هذه العائلة. وهي تخشى من تأجيل مشروع فيلم «محمد علي» مرة أخرى حتى يعتذر يحيى الفخراني عنه كما فعل مع «الملك فاروق». وتكمل ضاحكة: «ربما سيكون الدور وقتها لائقاً بنجلي الأكبر شادي». يذكر أن mbc أقامت مساء الخميس الماضي، حفلة سحور في القاهرة، وكان محورها الأساسي مسلسل «الملك فاروق». لكن غياب تيم الحسن وحاتم علي، شجع لميس جابر على مغادرة الحفلة سريعاً مع زوجها يحيى الفخراني للّحاق بحفلة ثانية خاصة بمسلسل «يتربى في عزو».