strong> فرح داغر
في ٢٢ أيلول (سبتمبر) الماضي، قام أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بزيارة قصيرة إلى جدة، حيث التقى الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز. وسرعان ما تخوّف بعض المراقبين من أن تكون السياسة التحريرية لقناة «الجزيرة»، الضحية الأولى لأي تقارب بين البلدين، في ظل تصاعد حدة التهديدات الأميركية لإيران، ما ينذر بامتداد الحرب على العراق إلى عموم منطقة الخليج.
المصادر الدبلوماسيّة في قطر والسعودية تشير إلى ضرورة وضع زيارة أمير قطر في سياقها الصحيح. وتفيد بأنّها أتت بحكم الضرورة في ظلّ التخوّفات من الحرب التي قد تغامر حكومة جورج بوش بفرضها على إيران، الأمر الذي يضع قطر في دائرة الاستهداف الإيراني بسبب استضافتها قواعد عسكرية أميركية. لذلك فإن أمير قطر يسعى إلى حماية بلده من خلال تحسين العلاقات مع السعودية، في وقت لم يتوقف عن تحسينها مع سوريا وإيران.
من المؤكد أن موضوع «الجزيرة» كان مدرجاً على جدول مباحثات جدة. وقد سبق أن طرح خلال الزيارة التمهيديّة التي قام بها رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني إلى السعودية، على خلفيّة السعي إلى إنجاح قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي ستعقد في الدوحة في كانون الأوّل (ديسمبر) المقبل. ومن شروط نجاحها مشاركة زعماء الدول الست مجتمعين، ما يضمنه حضور الملك عبد الله بن عبد العزيز، وقبل ذلك إعادة السفير السعودي إلى قطر بعد غياب خمس سنوات. وعلمت «الأخبار» أن اتفاقاً تمّ على وقف حملات «الجزيرة» على السعودية، وهذا يعني وقفاً تدريجياً للأخبار المحرجة للمملكة، وتجنب أي هجوم على السعودية في البرامج الحوارية التي تبثها الفضائيّة القطريّة. كذلك تمّ الاتفاق على أن يتمّ التنسيق المسبق بشأن تلك البرامج مع المراجع الرسميّة المعنيّة في قطر. وترى مصادر سعوديّة، أنّ «ادارة المحطّة تنسّق أساساً مع المراجع العليا في الدولة، في ما يتعلق بالبرامج الحساسة التي تطاول دولاً عربية أخرى، بل إنّ بعض موضوعات تلك البرامج، هو ثمرة اقتراح مباشر من تلك المراجع». وفي ضوء الحديث عن هذا التحوّل الوشيك في سياسة الفضائيّة العربيّة الأشهر، لا بدّ من التذكير بأنّ «الجزيرة» التي تأسست في تشرين الثاني (نوفمبر) 1996، عُدّت يومذاك «السلاح الحاسم» الذي واجه به الحكم خصومه ومناوئيه في السعودية وسائر دول الخليج، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ضدّه، بتشجيع من هؤلاء، في العام نفسه. وعندما انسحبت قناة «أوربت» السعودية من المحطّة العربيّة لتلفزيون BBC البريطاني، قامت حكومة قطر بشراء معداتها واحتواء عدد من موظفيها في فريق «الجزيرة». وخرجت الفضائيّة الجديدة بخطاب إعلامي رأت السعودية وبقية دول المنطقة أنه تحريضي عليها بامتياز. هكذا شنّت قطر «هجوماً مضاداً» من خلال الإعلام... وكلما تصاعدت لهجة «الجزيرة»، كان ذلك يفتح باب المساومات بين قطر وخصومها. ومن أكثر ما زفتّه «الجزيرة» إيلاماً للسعودية، فيلم وثائقي عن صفقة اليمامة، فضح تورط مسؤولين في الحكم بقضايا فساد، على خلفية شراء صفقة طائرات من شركة بريطانية. وقد تميز الخط التحريري لـ«الجزيرة»، في بدايتها، بالخروج عن القيود التي تفرضها أنظمة الحكم في المنطقة، وتناول قضايا مثل حرية الإعلام. كذلك تميّزت التقارير بالصدقيّة والدقة. وصارت الفضائيّة منبراً للأفكار الليبرالية في الوطن العربي... وهو ما كان ينسجم مع رغبة الإدارة الأميركية في عهد الرئيس بيل كلينتون، وفي الوقت نفسه يخالف الموقف العام لأنظمة الحكم في المنطقة. وتفيد مصادر من داخل «الجزيرة» أن هناك، في الفترة الأخيرة، تغيّراً ملحوظاً في سياسة المحطة تجاه السعودية... علماً أن هذا التغيير قد يكون تكتيكياً ومرحليّاً، برأي بعض المراقبين. لم يعد هناك تركيز على أخبار المعارضين السعوديين، في الداخل أو الخارج. ولم تعد البرامج السجاليّة تستضيف من يهاجم السعودية. وترجّح تلك المصادر أن الخط الجديد يلاقي تشجيعاً من رئيس الوزراء القطري، ورئيس الديوان الأميري الشيخ عبد الرحمن بن سعود آل ثاني. لكنّ المصادر نفسها تستبعد أن تسمح الحكومة السعودية بفتح مكتب لـ«الجزيرة» حالياً في الرياض. فمثل هذه الخطوة مشروطة بالتزام «الجزيرة» بخط جديد يتفادى التعرّض للمملكة السعودية. لكن أولى إشارات المرحلة الجديدة، قد تكون السماح لـ«الجزيرة» بتغطية موسم الحج في كانون الأوّل (ديسمبر) المقبل.