الطريق إلى بيت أدونيس في قرية قصابين المتاخمة لبلدة جبلة يشبه المتاهة، ما جعل الشاعر عبد المنعم رمضان يعلّق: «لا يكتفي أدونيس بغموض شعره، بل بغموض الوصول إلى بيته أيضاً». سيصادفك في الطريق «مكوى أدونيس» وسيدلّك أي عابر سبيل إلى موقع منزل الشاعر. في البهو، يستقبلك أدونيس بحرارة وحميمية، رغم كثرة زواره، ويحاول أن يعد القهوة بنفسه، قبل أن يتبرع أحدهم بإعدادها. البيت الذي شيّده الشاعر عام 1993، ليكون محطته كل صيف يتكوّن من طبقتين ويحتوي مكتبة ومكاناً لقبر اختاره الشاعر كي يكون مثواه الأخير. في صالة الاستقبال، تطالعك جداريّة ضخمة للفنان أحمد معلا باللون الأحمر، ولوحات بريشة الشاعر، والمجلدات الكاملة لمجلة «شعر» التي بـــشّـرت بالحداثة، وكان أدونيس أحد مؤسسيها. هكذا ستتعرف إلى أدونيس آخر يرتدي سروال الجينز وقميصاً أحمر مفتوح الصدر ويحمل سيجاراً كوبياً ضخماً بين أصابعه.
اختار أدونيس لضيوفه على الغداء وجبة شعبية معروفة هي «برغل بحمص»، وأصر على أن يسكب الطعام بيديه. وبدا صاحب «أغاني مهيار الدمشقي» متشائماً من مستقبل الفكر العربي، في غياب القطيعة المعرفية والعقل المنتج: «لا توجد حداثة عربية اليوم. نحن نناقش القضايا نفسها منذ نصف قرن، من دون أن نتوغل في صوغ أسئلة جديدة. وما حصل فعلياً هو مجرد تراكم كمي لم يقرب القضايا الصميمية، بل أسهم في تهميش الأسئلة الكبرى وتفتيتها إلى ظواهر مجزأة». وأضاف أن اليمين واليسار أدارا ظهرهما إلى أخطر المسائل وفي مقدمها تفكيك الفكر الديني، سواء في المدرسة أو في المؤسسة أو المجتمع ككل. واستغرب ظاهرة التعريب التي انتهجتها السلطة، في مجتمع متعدّد الأعراق والإثنيات، من دون فحص عميق لخصوصيات المجتمع السوري.