strong> بشير مفتي
«كآبة زيدان»، هو عنوان النصّ القصير الذي كتبه الروائي الفرنسي جان فيليب توسان، عن اللاعب الفرنسي، الجزائري الأصل، زين الدين زيدان. وقد ترجمه أخيراً الصحافي والمترجم عبد العزيز بوباكير إلى العربية، وصدر عن «منشورات الشهاب الجزائرية»، في ثلاث لغات، إذ نقله الناقد والصحافي رشيد مختاري إلى اللغة الأمازيغية، إلى جانب الفرنسية والعربية، في لفتة إلى أصول زيدان القبائلية. فلاعب الكرة الشهير منحدر من مدينة بجاية، التي تعرف بالقبائل الكبرى.
والكتاب، على قصر حجمه، يطرق باب الحدود التي تربط عالم الأدب والسرد خاصة، بعوالم كرة القدم الشهيرة. هذه اللعبة العالمية التي صارت تشدّ الملايين في أنحاء العالم، لم تعد غريبة عن اهتمامات علماء الاجتماع والمفكرين والفنانين (السينما خاصة)، والأدباء طبعاً. لذا فإن الكاتب والمخرج البلجيكي جان فيليب توسان، المعروف بانخراطه في كتابات تمسّ أساطير عصرنا، أي تلك التي يتجنّبها الأدب المحافظ، والصارم مع نفسه عادة، مثل التلفاز والكومبيوتر والمراكز التجارية والبطاقات المغناطيسية والهواتف الخلوية... ينتقل فجأة إلى لحظة كروية بامتياز، ويروح يسرد علينا تلك اللحظة، من خلال شخصية زيدان، وكآبة اللاعب، التي يشعر توسان بأنّها تقاطعت مع كآبته الخاصة. ولهذا نجده يستشهد بمقاطع من روايته «حجرة الحمام»، التي نالت نجاحاً منقطع النظير. إذ يقول: «كآبة زيدان أعرفها، غذّيتها، أكابدها، يصبح العالم معتماً... تتثاقل الأطراف. تبدو الساعات متثاقلة، تبدو أطول، أبطأ، لا نهاية لها».
يبدأ توسان سرده بتوصيف خارجي/ داخلي لزيدان في آخر مقابلة له، ستحتّم عليه أن ينسحب بعدها نهائياً من كرة القدم: «كان زيدان ينظر إلى سماء برلين من دون أن يفكر في شيء، سماء بيضاء موشّاة بالسحب الرمادية ذات الضياء المزرق. كان زيدان ينظر إلى سماء برلين فوق الملعب الأولمبي مساء التاسع من تموز/ يوليو 2006». بعد ذلك، ينتقل الكاتب إلى تلك اللقطة التي نطح فيها زيدان خصمه الايطالي، «نهاية المباراة، الوقت الإضافي، رميات الجزاء والفائز، حركة حاسمة، خشنة، سخيفة ورومانسية: لحظة كمال الغموض تحت سماء برلين، بضع ثوان من الازدواجية تبعث على الدوار، حيث يمتزج الجمال بالسواد، ويلتقي العنف بالشغف، ليتسببا في تشكيل دائرة لحركة غير مسبوقة».
يتوقف توسان عند تلك اللقطة/ الضربة، متسائلاً عن مصدرها. ولا يشك لحظةً في أنّها نابعة من «الكآبة الخالصة، ومن الإدراك المؤلم لسير الزمن، وهو مرتبط بحزن النهاية المعلنة، بمرارة اللاعب الذي يؤدي آخر مقابلة في مساره، والذي لا يقبل أن ينتهي».
كذلك يستشهد لتعليل فعل كهذا، مميز لا بعنفه فحسب، بل في كونه يمثل «شيئاً ما فينا يتحول إلى ضدنا»، كما يقول سترابنسكي، أو بتحليل فرويدي صائب: «إنه الهروب النهائي من إتمام العمل». يذهب توسان إلى الأعمق، ويتحدث بلطافة عن لاعب وفنان. «الضربة الرأسية الرائعة التي تصدى لها الحارس بيفون، قبل ذلك بلحظات، فتحت عينيه نهائياً على عجزه التام. اللياقة الآن تعانده، وهذا شيء لا يطاق عند فنان. نحن نعرف الروابط الحميمة التي تجمع الفن بالكآبة».
يذهب فيليب توسان إلى أبعد من ذلك. فاللقطة بالنسبة إليه ـــــ تلك التي يضرب زيدان برأسه صدر خصمه الإيطالي ـــــ لم يشاهدها أحد، لأنه يرى أنها لم تقع، يشرح «رأس زيدان لا يمكنه أن صيب خصمه، لأنّه كلما قطع رأس زيدان نصف المسافة التي تفصله عن صدر الخصم، بقي له نصف المسافة الأخرى لقطعها، ثم نصف مسافة أخرى، وهكذا إلى ما لا نهاية، بحيث إن رأس زيدان كان يتقدم دائماً نحو هدفه، لكن لن يصيبه أبداً».
لا ندري في النهاية لماذا أصدر توسان هذا الكتاب القصير. لكن تمجيد لاعب يحبّه بصدق جعل الأدب أكثر انفتاحاً على رياضة الكرة، أم أنها لعبة صراع يصبح الأدب قادراً، من خلالها، على ولوج عوالم أخرى تستحق حتماً الاهتمام والفهم؟ لا شك في أن هذا النصّ الذي يدور حول «مقابلة أخيرة» مع زين الدين زيدان، محاولة من كاتب متميز لاستعارة تلك الشخصية رمزياً، بغية إقحامها في صورة متخيّلة. ربما لهذا لا نفاجأ عندما ينفي الكاتب وقوع تلك «النطحة» الشهيرة التي شاهدها العالم أجمع على التلفزيون... وبالتأكيد مثلما يقول الناقد رولان دومولان «سيأتي وقت لا يعني فيه اسم زيدان غير شيء مبهم... لكن سيبقى البطل الوجيز والكئيب لجان فيليب توسان».
وفي السياق نفسه، صدر أخيراً كتاب (بالفرنسية) للروائية الجزائرية ليلى صبار، بعنوان «زيزو الجزائري» عن منشورات Anep في العاصمة الجزائريّة. زيزو من الرياضة والواقع، إلى عالم الأدب والخيال؟