بيار أبي صعب
حين تقرأون صحيفتكم المفضلة، أو مجلتكم المعتادة، حين تتصفّحون كتاباً ثميناً... هناك دائماً مؤلف خفي قد لا تتعرفون إليه، أو لا تشتبهون حتّى بوجوده. ومع ذلك فهو هنا، حرفيّ صبور، وساحر مدهش. بَصَماتُه فوق الصفحات التي أعطاها شكلها وهويّتها ومذاقها. جعلها أقرب إلى القلب، أكثر إلفة للعين، في متناول الإدراك، من خلال علاقة كوريغرافية بين المبنى والمعنى. إنّه المخرج الفني. «المؤلف الآخر» للعمل المنشور، يفتح دهاليزه أمام حواس القارئ. كثيرون يظنّونه موضّباً للمواد في مساحة محددة. لكن المطبوعة التي تدخل يومياً في «رقصة موت» مع الحدثي والآني والعابر، تدين بنجاحها أساساً إلى الجهد الإخراجي. إنها تُقرأ ليس من عنوانها بل من شكلها. المخرج الفني، فيلسوف المساحة البيضاء، وتوازن الكتل أو تصادمها، تكامل الفراغ والامتلاء...
محمد حمادة كان كل هذا، وكان شاعراً ومثقفاً ملتزماً فوق ذلك. إنه ابن هذا الجيل المخضرم الذي قام بالانعطافة الحاسمة، ناقلاً المهنة من «التصميم الفني» حسب المدرسة القديمة، إلى «الغرافيك ديزاين» في زمن التقنيات الحديثة. في محترفه ولدت مشاريع، ووضعت ماكيتات صحف ومجلات مهمة خلال العقدين الماضيين. كان دائماً يسعى إلى التوفيق بين الفكرة والوسيط التقني. وكان يعرف تماماً أن التصميم الفني لا يمكن أن يكون بريئاً.
رحيله المباغت والعبثي يتركنا مجدداً أمام عذاب الصفحة البيضاء. أسئلة كثيرة معلّقة، ومشاريع لم تنجز، وأحاديث لم تستكمل. رفيقة دربه الزميلة مي مكارم التي رافقت ولادة «الأخبار». ابنته كرمى التي نقل إليها لوثة الغرافيك ديزاين.
حين تمسكون بعد اليوم بمجلة أو جريدة، تذكروا محمد حمادة ورفاقه، ابحثوا عن بصماتهم الضائعة بين السطور.