باسم الحكيم
يطلّ يومياً على شاشة «المنار»، ليستعيد لحظات تاريخية من «أيام الوعد الصادق». وفي منتصف الشهر الجاري، يعود إلى طاولة برنامجه السجالي «ماذا بعد»... إنّه المذيع المصري عمرو ناصف الذي يعترف بتخلّيه عن دور المحاور، لأن الموضوعية في التعاطي مع عدوّ لا يرحم... «كلام أونطا»

يعتبر عمرو ناصف أن برنامج «أيام الوعد الصادق» الذي يعرض يومياً على شاشة «المنار» خلال ذكرى العدوان و«ماذا بعد؟» الحواري الذي يعود في منتصف الشهر الجاري، «يعبّران بشكل كبير عن قناعاتي السياسية». هو يتبنّى رؤية المحطة إلى الصراع الداخلي اللبناني، تماماً كما يتبنى رؤيتها إلى الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي. وإذا كان يخلط متعمّداً بين واجبه الإعلامي وقناعاته السياسيّة، ليحيد عن الموضوعية، فهو يرفض أن يكون حياديّاً في حواراته مع سبق الإصرار والترصد. يجادل ويناقش ويتخلى عن دور المحاور، ليدخل طرفاً في النقاش. ويرى مساحةً واسعةً من الحرية في قناة «المنار»، «فهي من أكثر المؤسسات التي تعطي موظفيها هامشاً كبيراً من الحريّة في العمل الإعلامي».
يغوص في الحديث عن «أيام الوعد الصادق» الذي يرصد حرب تموز على مستوياتها السياسية، الثقافية، الاجتماعيّة والإنسانيّة. فيقسم البرنامج إلى «حلقات ترتبط بتواريخ بارزة منها يوم بدء العدوان، ضرب «المنار»، زيارة كوندوليزا رايس للبنان، حفلة الشاي في ثكنة مرجعيون، ومجزرة دبابات الميركافا في 12 آب... فيما يرتبط جانب آخر من الحلقات، بالمقاومة وأدائها خلال العدوان، فضلاً عن حلقة الصراع الاستخباري بين «حزب الله» وإسرائيل، وأخيراً مواقف الحكومة اللبنانية والحكومات العربية من العدوان. ويشير إلى «حلقة يناقش فيها أداء «المنار» مقابل أداء بعض وسائل الإعلام الأخرى، المحلية والعربية خلال العدوان، وأخرى عن احتضان المهجرين والتفاعل بين الناس في مختلف المناطق اللبنانيّة، وثالثة عن عودة المهجرين». يستغلّ عمرو ناصف برنامجه ليسأل عن «الموقف العربي الرسمي من العدوان، ولماذا لم يستثمر العرب هذا الانتصار». وانطلق في حلقة عن «ذكرى مجزرة قانا الثانية»، ليستعرض علاقة إسرائيل بالمجازر، «مع أنها تمتلك جيشاً قادراً أن يدير معارك ضخمة مع خصمه العسكري. أتعلم، حين تفنّد الشهادات الإسرائيلية والأميركية الرسمية في المحافل الدولية، ستجد أن إسرائيل من أكثر الدول احتراماً لقوانين الحرب. ومع ذلك، تراها لا تتوانى عن استخدام الأسلحة الممنوعة في حروبها!». ويكشف عن حلقة قريبة، (لم يحدد موعد عرضها بعد)، تستضيف شعراء كتبوا عن المقاومة خلال الحرب، «بينهم الشاعر المصري عبد الرحمن القرضاوي (نجل الشيخ يوسف القرضاوي)، الذي كتب شعراً عن المقاومة والحرب، وزار الجنوب والضاحية وكتب شعراً استوحاه مما رآه هناك».
يعتبر ناصف أنّ «من اللافت أن يبكيك شعر في عزّ الحرب، لأن الدمعة تكون صعبة في هذه الأوقات، فليس منطقيّاً أن يضيّع الإنسان وقته في البكاء، فيما تفصله خطوات عن الموت. ثم لندع البكاء إلى محترفيه...». وحول ولادة فكرة البرنامج، يقول إن «مدير الأخبار والبرامج السياسية محمد عفيف، أراد تقديم حلقات غير كلاسيكيّة في أيّام ذكرى العدوان، وطرح أن نناقش أيّام العدوان يوماً بيوم، مع ضيوف عبر الأقمار الاصطناعيّة».
ناصف الذي يبدو اليوم على توافق سياسي وعقائدي مع «حزب الله» والقناة، يعترف بأنّه كان من أشد خصومه يوم إنشائه مطلع الثمانينيات. ويوضح: «اعتبرت آنذاك أننا في صدد حالة سلفيّة شيعيّة، ولسنا أمام حالة مقاومة حقيقيّة. وحين تأكدت من خطها السياسي وأهدافها، بدأت التجربة تحوز اهتمامي وتقديري». من هنا، يبدو أنّ هناك وحدة حال بينه وبين «المنار»، ما لم يجعل من جنسيته المصرية حائلاً دون تقديمه برنامجاً يوميّاً عن حرب تموز اللبنانية. يقول: «يوم عرض عليّ العمل في القناة قبل ست سنوات، وافقتُ لأنني أرى انسجاماً بين فكري وفكر المقاومة وبرنامجها».
هو يدرك جيّداً أن واجبه الإعلامي يفرض عليه الالتزام بالأخلاقيات العامة للمهنة، «لكنني أرفض أن أكون واحداً من الذين يدّعون الموضوعية، ولا يملكون شيئاً منها... توافرت لدي فرصة الدفاع عن هذه الوجهة خلال الحرب، وذكرتُ مراراً أنني لست ملتزماً قيود الإعلام والمهنة، فحين يكون بينك وبين الموت جزء من الثانية، يصعب أن يفرض عليك أي شيء». ويعتبر أن كلامه لا يتوقف عند التعاطي الإعلامي، «بل يمتد إلى كل مهنة. لكنّه يتجلى بوضوح أكبر في الإعلام، لأننا نقدم الموقف والكلمة والخبر إلى عدد هائل من المتلقين»، مجاهراً بإيمانه بأن «لا إعلام لوجه الله ولا حيادية، فإما أن تكون صاحب موقف أو لا تكون». ولدى سؤاله عن انحيازه الذي يظهر جلياً خلال حواراته مع ضيوفه، يبرّر قائلاً «لأن مشكلتي هي مع ضيف يطرح كلاماً لا يمكن السكوت عنه». ولا يقتصر رأي ناصف في التزام أخلاقيات المهنة على مسألة الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي، بل ينسحب أيضاً على الصراع الداخلي «المصيري»، «فالحرب وقعت بين فريق عربي مقاوم، وبين عدو لا يفرق بين لبناني ومصري وفلسطيني وتونسي وسوري وجزائري».
ولكن أليس هناك فرق بين دولة وقّعت معاهدات سلام مع هذا العدو، وبين دول أخرى امتنعت عن التوقيع؟ يجيب «إسرائيل هي أكثر جهة تعي بأن ما يسمى عملية السلام ليس سوى ادعاء، وتعلم جيداً بأن السلام مع المصريين والأردنيين «كلام أونطا»، لأن من يطبّع معها عددهم قليل، أما الشعب فيملك وجهة نظر أخرى». يذكر أخيراً أن حلقة هذا المساء من «أيام الوعد الصادق» ستعرض عند الثامنة والربع مساء، (يليها الكلمة المرتقبة للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله). وستناقش محورين: سلاح المقاومة ومستقبله، ثم الدعم الأميركي العسكري لبعض الجيوش العربية، وأهدافه.

يومياً 20:30 على «المنار»