strong> وائل عبد الفتاح
الدولة في مصر جبارة. تتفرّج على الأصولية المتوحشة، تتصور أنّها قادرة على ترويضها. تتركها تلعب تحت نظرها. وتتخيل أنّها رسمت لها دائرة للتحرك هي تحت سيطرتها... تتركها تفرض مزاجها. تقيم المتاريس وتفرض سلطتها على الشوارع والعقول، ومن حين لآخر، يخرج مجنون عن المزاج العام فيكون ضحية سهلة للافتراس. عندئذ تقيم له الدولة حفلات التأبين، أو تضعه في قبور الجنود المجهولين. هذه المرة رفض أحمد عبد المعطي حجازي فكرة الضحية السهلة. اختار أن يموت على حصانه. ورفض تنفيذ الحكم، وقررت الدولة مزيداً من العقاب وإهانته في المزاد. مَن مع الدولة ومَن ضدها؟ الدولة مع مَن ؟ وضد من؟ حجازي يدافع بفروسية عما يتخيّله «دولة مدنية تحترم حرية الرأي والعقيدة». خيال استدعى قيماً قديمة على طريقة دونكيشوت. الشيخ يوسف البدري خصمه في القضية يجيد لعب دور «المحتسب»، ويتخيل هو الآخر أنّه يدافع عن دولة مؤمنة وشرعية... و«الحسبة»، هذا المفهوم القديم لنيابة شخص عن شعب كامل، كانت له قيمة في عصرها، لكنّه خارج التاريخ تحول إلى جريمة يومية. نيابة تختفي قليلاً لتظهر بعد ذلك بشكل أكثر فجاجةً واعتداءً على الحياة الشخصية. مرة نصر أبو زيد وزوجته، واليوم بيت حجازي والتلفزيون والأريكة التي يجلس عليها.
هناك شيء شخصي تضربه الأصولية بوحشية باردة. تتصور أنّها في استعراض جهادي. تنتظر تصفيقاً حاداً من الجماهير، بينما الدولة هي المتفرج الكبير الذي يريد أن يكون all size. شمولية عصرية من نوع جديد، تريد أن تجمع كل شيء فى كيسها المثقوب أصلاً.
الاستعراضات الأخيرة بائسة. خارج اهتمام جمهور عمومي مشغول بالبحث عن «البركة» الشرعية. والبركة تحتاج إلى وكلاء حصريين. ولا يصلح هنا إلا محترفو الأصولية المتوحشة. يمارسون الابتزاز والهيمنة بلا قلب. يلغون البشر لمصلحة قوى علوية يتحدثون باسمها. يعيدون كل يوم رسم الحدود المقدسة على هواهم. ويطلقون سهامهم باتجاه كل شارد عن القطيع. ومن تطرف إلى تطرف. لم يعد المثير بالنسبة إليهم نقد الفكر الديني الذي أصبح بقداسة النص الديني... المثير الآن هو أنّ كل وكلاء البركة الآن أصبحوا مقدّسين، لا يمسّون ولا يصحّ نقدهم. قداسة محصّنة بقضاء الدولة التي لا تعرف هويتها: مدنية أم دينية. إنّها all size تتفرج على صراع الفروسية والأصولية. فرجة سادية على مصارعين من عصور منقرضة. حجازي (الشاعر) الآن مخالف للقانون، متمرد على قضاء الدولة. والبدري (الشيخ) خائن للدولة المدنية، وعائد بها إلى عصور اضطهاد ديني على الطريقة الإسلامية.
بالطبع ننحاز إلى فروسية حجازي وضد أصولية البدري. انحياز لا حياد فيه. لكنّه انحياز مخيف وتورط في حرب قيم قديمة... نتمنى فيها انتصار الشاعر على الشيخ. لكنّنا في الوقت عينه نشعر بأنّها تدخلنا نفقاً مظلماً، يبدو أننا لا بد أن نعبره. هذه الحروب هي إشارات قوية بعصور ظلام قادمة. المتصارعون والجمهور. والحكام ديناصورات تصدر صيحتها الأخيرة منذ سنوات ولم تفقد حنجرتها. نحن الذين افتقدنا آذاناً حساسة.