ذات صيف فرنسي، قبل عشرين عاماً، إلتقط عالم الموضة أنفاسه لدى ظهور ذلك الشاب الآتي من الجنوب، بجعبته الزاخرة بالألوان، وتصاميمه التي أدهشت بفرادتها وغرابتها... ومنذ ذلك الحين، لم يفقد سيّد الدهشة قدرته الدائمة على الابتكار


فاطمة داوود

كريستيان لاكروا:عشرون عاماً على ثورة الألوان
يحتفل كريستيان لاكروا، هذا العام، بمرور عشرين سنة على تأسيس دار أزيائه. «رائد الدهشة ومفجّر المفاجآت» أراد لاحتفاليته أن تتخذ طابعاً مختلفاً، وهذا ما برز في تشكيلة خريف وشتاء 2007 ـــ 2008، لأزياء الـ«هوت كوتور». إذ كشفت المجموعة أنّ المصمم الشغوف بالجنوب الفرنسي منذ صغره (ولد في مدينة آرل)، والملقّب بسيد الألوان (لكثرة إغداقه الألوان على فساتينه)، يقود الموضة إلى حيث يشاء. فكيف الحال، والمناسبة هذه المرّة تستحق المجازفة إلى أبعد الحدود؟
خلال أسبوع الموضة العالمي، بداية الشهر الماضي، انتظر جمهور لاكروا أن يشاهد على خشبة العرض، عرضاً يضجّ بالألوان الصاخبة، تستمدّ جاذبيتها من أقمشة مزخرفة ومطبّعة، وفساتين مستوحاة من أزياء القرون الوسطى، تحاكي الحداثة في الوقت عينه... فإذا به يكشف النقاب عن مجموعة، شعارها التحدي بامتياز، أراد عبرها القول إنّ الألوان القاتمة لا تخيفه وإبداعه لا يقتصر على لعبة المزركشات والكشكش وأشكال الورود الكبيرة...
عشق لاكروا مناطق الجنوب الفرنسي وألوانها وتراثها، ثم استلهم كثيراً من الأجواء الرومنسية الحالمة في إيطاليا وإسبانيا. في مجموعته الأخيرة، حطّ رحاله مرة ثانية في إسبانيا، بلد مصارعة الثيران، وموطن الغجر الرحّل... هكذا قدّم عارضاته على شكل غجريات، بتسريحات عالية ومصففّة كيفما اتفق، واستعان بقلادات ضخمة، وأحذية ذات كعوب عالية. كلّ ذلك، بروح شاعرية وعصرية في آن، دلّت على رغبة جامحة في إطلاق أزياء جذابة بكل المقاييس. لكن مهلاً، كريستيان لاكروا لا يستطيع الابتعاد كثيراً عن الألوان الزاهية. وها هي تحضر في العرض، لكن بخفر، وسط طغيان الأسود والنيلي والأخضر والأحمر، وسيطرة لأقمشة المخمل والفرو والريش التي تصدّرت الأكتاف وأطواق الرقبة وغطّت الرأس أو جزءاً منه.
ركّز تلميذ مدرسة التصميم القديمة، المؤمن بثقافة الزمن الجميل، على فخامة الأقمشة والتطريزات المستوحاة من سحر الأندلس. وأبى إلا أن يجلب معه الصخب، إنما ليس عبر الألوان هذه المرة، بل الأحجام الضخمة: المعاطف الحريرية المنتفخة والفضفاضة، والسترات الشبيهة بلباس مصارعي الثيران، القصيرة والمطرّزة، أو المزيّنة بالريش...
وبرز نوعان من الفساتين: جاء الأول مفصّلاً ولصيقاً بالجسم لإبراز أنوثة العارضة من دون الكشف عن أجزاء من الساقين أو الكتفين إلا في ما ندر، ما طبع المجموعة بالرصانة. أما الثاني، فجاء مزداناً بطبقات متهدّلة من الكشكش الناعم و«الشيفون» الذي أضاف على التصاميم إثارة وجمالاً. كما ظهرت الفساتين القصيرة حدّ الركبة أو الطويلة ومصنوعة من «الشيفون» و«الساتان» و«التول» والمخمل.
استخدم لاكروا تفاصيل دقيقة في القصّات المنحوتة بعناية، ما أضفى على العرض عنصري التجديد والابتكار. هكذا اعتمد على الأكمام المنتفخة التي غطّت كامل الذراعين وجزءاً من الكتفين والصدر. إضافة إلى القصّات الخلفية والأمامية حيث يتجمّع القماش في توليفة تتميز بدقة التصميم، والقماش المطبّع بنعومة فائقة، مع استرسال بتطويع الفرو أينما كان.
«أحب الخياطة عندما تكون مؤثرة وتحرّك المشاعر»، عبارةٌ قالها لاكروا يوماً، وأخذ يطبّقها بإتقان موسماً تلو الآخر. ومع ذلك، تراه غير راض عن أزيائه، يسأل دوماً عن إعجاب الجمهور وأهل الإعلام، فيندهش عندما يسمع إطراءً، يمدح تصاميمه. ويجمع المتابعون لعالم الموضة على أن أبرز ما يميز مسيرة هذا الرجل الذي تخطى عتبة السادسة والخمسين، قدرته الدائمة على الابتكار. وما أثرى شخصيته، هو دراسته لتاريخ الفن، وطموحه ليكون عالم متاحف. ولعل هذا الحب يفسّر اختياره لقاعة «باليه دي طوكيو» في متحف الفنون العصرية المواجه لبرج «إيفل»، حتى يعرض المجموعة فيها، وسط ديكور بسيط، ابتعد عن الترف والبذخ. كما يعزو بعضهم نجاح المصمم الشغوف بأدب أوسكار وإيلد وموسيقى «البيتلز» إلى تخرجه من الدار العريقة «هيرميس» التي دخلها بواسطة من الملحق الإعلامي جان ـــ جاك بيكار عام 1978، وانتقاله بعدها إلى دار جان باتو الشهير عام 1981. شكّل هذا العام النقطة المفصلية في حياته المهنية، وانتظر ست سنوات حتى قدم في عام 1987، مجموعة فاقت التصورات وضاهت بجمالها مجموعات أعرق الدور العالمية. وهكذا أصبحت اليوم، الأزياء والتصاميم الموقّعة باسمه، من الملابس الجاهزة والداخلية إلى الأحذية والجزادين والمجوهرات والعطور، نقطة تجمهر الزبائن في أكثر من 1000 متجر كبير حول العالم.




زهير مراد: وتحقّق حلم المراهقات

خلال أسبوع الموضة العالمي أيضاً، حظيت تشكيلة زهير مراد لخريف وشتاء 2007 ـــــ 2008 بإعجاب الحضور. في مجموعة الـ«هوت كوتور» التي حملت عنوان «هيبة الأولمبيا»، حيث استلهم مراد فيها إيحاءات الجاذبية والإغراء من سحر أثينا... وعلى رغم أنّ الكلاسيكية تعدّ أطول الطرق للوصول الى النجومية، تمكّن مراد بمطواعية رفيعة المستوى أن يسخّر عناصر الكلاسيكية في خدمة رؤياه المفعمة بالتجدّد. هكذا اهتم بالتفاصيل الدقيقة للقصّات والأقمشة المتوهّجة. وتمكن بحسّ فني أن يعانق روما وبيروت، ليقدّم توليفة خاصة، مكّنته من منافسة صنّاع الموضة في عقر دارهم.
على خشبة العرض، تمايلت العارضات بأناقة لافتة، واحتلت أقمشة «الموسلين» و«الدانتيل» الصدارة، فيما التفّت الأرداف بـ «التول» و«الأورغنزا». كما برزت الفساتين المصنوعة من أقمشة مقصّبة ومرصّعة بالجواهر.
ولإضفاء جو من الدفء على أمسيات الشتاء، استخدم «الفيزون» و«الشنشلا» وفرو الثعلب، مانحاً نساءه طلّة أنثوية مميزة. كما ضمّت المجموعة أثواباً متطايرة الأطراف لتعطي العارضة حرية في الحركة وثقة في الخطوات، فضلاً عن الفساتين الطويلة التي صُمّمت على شكل أجران أو أجراس، متألّقة بتدرجات الألوان الفاخرة. وبدا أن زهير مراد صبّ جل اهتماماته في العرض على تدرّجات الألوان. هكذا، تألّق فستان باللونين الأبيض والأسود، وآخر بالفضي المشّع. كما برز الزهري والعسلي والأخضر والرمادي والبنفسجي والنيلي... ولعل أكثر ما ميز العرض، هو سعي مراد إلى تقديم فساتين تصلح لأن تحتفظ بها المرأة لسنوات، من دون أن تبدو خارجة عن خطوط الموضة. لذا، قدّم مجموعة أثواب متآلفة الروح، ومختلفة الأشكال. وقد جاءت على نوعين: الفساتين الطويلة ذات المنحنيات الكثيفة، والقصّات المستقيمة أو المكسّرة، وتلك القصيرة حدّ حتّى الركبة، أو الكاشفة عن الساقين. وإن غلبت الفساتين الطويلة حتى الأرض، فيما غابت تماماً الأكمام المنتفخة، والطبقات المتعددة.
في المجموعة، برز فستان باللون الزهري الغامق، مطبّع بالورود المنمنمة، اشتدّ عند الخصر بواسطة ربطة ضخمة، وانسدل الى الأرض بهدوء. كما ظهرت القصات على شكل V الكاشفة عن الصدر بخفر، فيما غلبت القصّات التي تكشف عن كتف دون الآخر، وقد عكست أناقة سيدات العصر الإغريقي.
أما العروس فكان لها حصّة الأسد، عبر عرض ثلاثة فساتين مرصّعة بحبّات الشواروفسكي، تهادت مع الطرحة الطويلة.
بقي أن نعلن لعاشقات الموضة، أن المصمم اللبناني طرح قبل أسابيع قليلة مجموعة من الفساتين الجاهزة الخاصّة بحفلات الزفاف وبأسعار مخّفضة بعنوان Zuhair Murad Bridal. وقد ضمّت مجموعة لافتة من الفساتين المصنوعة بأقمشة الحرير – «التفتا» و«التول» و«الأورغنزا».
ولا ريب في أن مراد يدرك حقيقة مرّة تواجه أبرز مصممي الموضة والأزياء، وهي أن شريحة النساء اللواتي يكترثن لشراء فساتين الـ«هوت كوتور»، لا تتعدى المئات حول العالم، فيما تحلم مليارات منهن بارتدائها ولو لحظات. لذا كانت أولى خطواته العملية، توقيع عقد مع شركة «مانغو» الإسبانية لتصميم ثماني مجموعات مميزة من الملابس الجاهزة، حملت عنوان Mango by Zuhair Murad، مستوحاة كلّها من غروب الشمس. وقد استخدم فيها أقمشة الحرير و«التفتا»، والمخمل والقطن، وألوان البرونز والباذنجاني والبني والبرتقالي، فيما خصّ مجموعة الشتاء بالأسود والنبيذي. ومعها، أصبح زهير مراد يرافق السيدات العربيات في ميادين عملهن وزياراتهن الصباحية.