strong>محمد رضا
  • أميركا تفحص ضميرها وتواجه حروبها الاستعماريّة الجديدة



  • كان لا بدّ من الانتظار سنوات، قبل أن ينضج الرأي العام في الولايات المتحدة. فجأة توالت الأفلام عن الحروب الاستعماريّة الجديدة التي تخوضها أميركا، ومسرحها ــ من العراق إلى أفغانستان ــ هذا الجزء، العربي والإسلامي من العالم. وقائع «صحوة متأخرة» تعيد إلى الأذهان، وإن بأشكال مختلفة، انعكاسات حرب «فيتنام» على السينما الأميركية

    ريدلي سكوت يرفض أن يترك العالم العربي وشأنه. في «غلادياتور»، جعل جزءاً من الأحداث يدور في شمال أفريقيا حيث قيد بطله (راسل كراو) إلى العبيد قبل إرسالهم بحراً إلى إيطاليا كمحاربي ميادين القتال التقليدية. بعدها، انتقل المخرج البريطاني إلى العالم العربي في شريطه «مملكة الجنّة» حيث صلاح الدين الأيوبي يواجه الغزاة الأوروبيين. والآن، يريد تصوير فيلم في الإمارات عنوانه «كيان من الأكاذيب» ويطرح الحرب بين الـ CIA والقاعدة.
    لكنّ الإمارات متردّدة في احتضان هذا المشروع الجديد، رغم أنّها خطوة مهمة لاستقطاب مخرج تثيره قضايا الشرق الأوسط القديمة والجديدة، ويصوّر أفلامه عادةً في المغرب. ويعود التردد إلى موضوع الفيلم. فالإمارات لا تحبذ الترويج لأفلام تطرح مسألة القاعدة، ولا تريد أن تكون طرفاً في هذه القضية الشائكة. لكنّنا نعلم أنّ موضوع الفيلم ساخن وهو ليس الوحيد. هناك أفلام متعدّدة تتعامل مع موضوع القاعدة أو الحرب في العراق أو كليهما في آن
    واحد.
    قبل سنوات، تساءل كثيرون عن سبب عدم تعامل هوليوود مع الحرب الدائرة في العراق. كان واضحاً حينها أنّ الوضع لا يزال طريّاً، وخصوصاً أنّ الجمهور الأميركي لم يكن مستعداً. بل لم يكن مستعدّاً حقّاً حتى العام الماضي، عندما أُطلق «جارهيد» شريط سام منديز عن جنود أميركيين في معسكرات الكويت على الحدود العراقية يتدرّبون لدخول الحرب. ويروي الفيلم كيف انسلخ هؤلاء ــــ كما في Full Metal Jacket لستانلي كوبريك ــــ عن أعرافهم الاجتماعية ودُجّنوا للقتل... ولو أنّ أحداً منهم لم تُتح له فرصة المشاركة في القتال. «جارهيد» لم يكن رديئاً، لكنّه لم يمتلك العناصر التي يحتاج إليها الفيلم الأميركي ليحقق حضوره، على عكس «سيريانا» الذي حقّق نجاحاً تجارياً أكثر من مقبول، وتناول مخرجه ستيفن كاغان حرب الـ«سي. آي. أيه» وكالة المخابرات المركزية في الولايات المتحدة، مع الإرهاب بعد اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر).
    لكن الوضع السياسي تغيّر اليوم في أميركا. وبعدما كانت الحيرة واضحة في موقف هوليوود من واشنطن والشرق الأوسط (خلافاً لما كان عليه مطلع الحرب الفيتنامية في الستينيات)، أصبح ضرورياً التطرّق إلى موضوع يشغل الأميركيين: ما هي هذه الحرب العراقية؟ هل كانت مبرّرة؟ هل شكّل العراق خطراً على أميركا؟ هل البترول هو الدافع الرئيسي؟ وماذا عن المقاتلين الإسلاميين؟
    لكن الوضع السياسي ليس سوى أحد الأسباب التي تجعل هوليوود أكثر استعداداً لطرح مسألة الحرب العراقية اليوم أكثر من أي يوم مضى. هناك سبب ثان، هو نجاح «سيريانا» الذي أثبت أن الجمهور الأميركي يرغب في مشاهدة أفلام تتعامل مع الموضوع. لكنّ السبب الأهم هو أنّ الحرب لا تشغل بال المشاهد الأميركي فحسب، بل تشغل خيرة أهل «البزنس» من مخرجين وممثلين. هكذا، سارع كل من ليوناردو ديكابريو وراسل كراو لقبول عمل ريدلي سكوت، فور عرضه على كل منهما. وكان مات دامون قد وافق على لعب بطولة «سيريانا» انطلاقاً من موقف سياسي معارض للحرب على العراق. وكذلك الأمر بالنسبة إلى معظم الأسماء الكبرى، المنخرطة في مشاريع سينمائية اليوم. وهنا لا نتحدّث عن مشاريع مستقبلية فحسب، كمشروع ريدلي سكوت، بل عن سلسلة من الأعمال التي طرحت الراهن السياسي في العراق أو في أميركا بسبب العراق.
    والجولة تبدأ من «وطن الشجعان» لإروين وينكلر، ويدور حول ثلاثة جنود في وحدة مقاتلة في العراق (التصوير تم في المغرب). بعد تعريفنا بهم سريعاً، تتعرّض قافلتهم لكمين ينتج منه مقتل العديد من زملائهم، فيما تصاب فانيسا (جسيكا بييل)، وجمال (كيرتس جاكسون). هكذا، يعود الأحياء منهم إلى بلدهم مهزومين ومصابين عميقاً في الذات.
    الأفلام الجديدة ستتلاحق عروضها هذا الأسبوع حتى نهاية العام. ويأتي في المقدمة الجزء الثالث من المسلسل الجاسوسي ــــ التشويقي «بورن» الذي بدأ بـ«هوية بورن» واستكمل بـ«أقصى بورن»، ثم يأتي الآن «تحذير بورن». الفيلم الذي بدأ عرضه عالمياً، صُوّر في ست مدن حول العالم... لكن بغداد ليست بينها، والسبب أنّه لا يتناول الحرب العراقية، بل الوضع السياسي الحالي انطلاقاً مما يدور في الشرق الأوسط. «تحذير بورن» هو من تبعات ما حدث في ١١ أيلول. كذلك «وادي إيلاه» لبول هاجيس الذي اختار قصة حدثت فعلاً عندما قام جنديّان أميركيان عائدان من الحرب بقتل رفيق سلاح ثالث لهما وحرقه.
    «إيلاه» هو الموقع الذي انتصر فيه دافيد على غوليات في التوراة. والترميز، هو أحد العناصر التي يستخدمها المخرج ــــ الكاتب للدلالة على مغزى ما يدور في العراق. وهو قال إن شريطه يهدف إلى طرح السؤال عما جلبته تلك الحرب إلى البلاد. ومثل «وطن الشجعان»، يتعامل «وطن إيلاه» مع الجنود الأميركيين العائدين من الحرب التي فقدوا براءتهم في رحاها.
    وفي الشهر المقبل، ينطلق على الشاشات فيلم آخر في المجال نفسه: إنه «المملكة» حيث عملاء CIA يصلون إلى المملكة العربية السعودية للتحقيق في انفجار وقع في موقع أميركي هناك. يتمحور فيلم بيتر بيرغ حول مقولة «نحن وهم»، لكنّ سياسته ليست واضحة حتى الآن. ومثلما رفضت دبي تصوير فيلم ريدلي سكوت فيها، رفضت أيضاً تصوير «المملكة» فيها، لكونه يطرح مسألة الإرهاب أيضاً. لكنّ إمارة أبو ظبي وفّرت ما يلزم لإنجاح هذا الإنتاج الهوليوودي.
    بعد أسبوع من إطلاق «المملكة»، تمحور الاهتمام في أميركا، حول فيلم آخر بعنوان «النعمة مضت»... وفيه يؤدي جون كوزاك دور زوج فقد زوجته المجنّدة في العراق، ووجد نفسه مجبراً على التأقلم مع غيابها وتربية ابنتيه. وخسارة شريك الحياة كان موضوع «قلب شجاع» الذي أدت فيه أنجلينا جولي دور زوجة دانيال بيرل، صحافي «وول ستريت جورنال» الذي خطفه متطرّفون إسلاميون وقتلوه (٢٠٠٢). وسيكون الموضوع نفسه أيضاً، محور فيلم «تخلّي»، لكنّ الخاطفين ليسوا إرهابيين هذه المرّة، بل مجموعة تحارب الإرهاب... فيما الزوج المخطوف مصري بريء (يؤديه الممثل عمر متولّي الذي استعان به ستيفن سبيلبرغ في “ميونيخ”). وهنا على الزوجة (ريز ويذرسبون) التعامل مع الوضع الجديد ومجابهة الخاطفين لتأكيد براءة زوجها.