strong>فرح داغر
المعركة التلفزيونية كانت بين {السياديين} و{العملاء}. واستحضرت فيها أرواح الشهداء بقوّة، فيما حشدت المحطات كل الشهود لتوضيح هذه النقطة الجوهريّة للمشاهد ــ الناخب: عقاب صقر، كارلوس إدّه، أسعد هرموش، وكميل دوري شمعون، بطل اليوم بلا منازع!

المعركة كانت واضحة الأبعاد والخلفيات منذ الصباح، على الأقل بالنسبة إلى بعض الفضائيات اللبنانية. معركة المتن هي ــــ ببساطة ــــ بين «السياديين» «العملاء». فريق السياديين بقيادة والد الشهيد، الشيخ الرئيس أمين الجميّل، وفريق عملاء سوريا وإيران، بقيادة العماد ميشال عون، من خلال مرشح التيار الوطني الحرّ كميل خوري الذي أخطأ الجميع في اسمه، حتى مراسل «المنار».
كلمة «ماكينة انتخابية» كانت على كل فم، كل المراسلات والمراسلين، المحللات والمحللين، المذيعات والمذيعين كانوا يتكلّمون عن «الماكينة». نحن تذكرنا الـ«إكس ماكينا» Deus Ex Machina في المسرح الإغريقي، تلك التي ينزل عبرها الآلهة في اللحظات الحرجة... لمواجهة البشر والتدخل في مجرى الأحداث. وخلال المعركة سيستحضر فريق السياديين الشهداء بقوّة في المعركة على طريقة الـ«إكس ماكينا»... حتى إن آخر الوافدين إلى الساحة السياديّة، أي منتج الفيديو كليب كميل دوري شمعون، دعا أمام الكاميرات، من بكفيا، إلى التصويت «لراحة نفس الشهيد بيار الجميّل». مثير حقاً هذا الخلط بين الاقتراع والصلاة!
وكميل هذا هو بلا شك من أبطال اليوم الانتخابي الطويل في الإعلام، بسبب خناقة بين مرافقيه المسلحين والجيش، «انضر» على أثرها بعض شبابه (المقصود تضرر)... وانقض «حزب الأحرار» على هذه المؤسسة التي كانت قبل ساعات مقدسة، ببيان ناري قرأه وليد عبود على LBC بشكل مسرحي، يكيل الاتهامات للجيش. أيظن الجيش أن برج حمود هي مخيّم البارد، وأن «مرافكي» كميل الأصغر من «فتح الإسلام»؟ الحقيقة أن بعض عناصر الجيش «غير المنضبطين» حاولوا الانتكام (المقصود انتقام) من «بابا دوري» لأنّه ردّ على خطاب السيد حسن!
المهم هذه المعركة الانتخابية، بدت قبل كل شيء معركة تلفزيونية بين السياديين والعملاء. وقد حشد مقدّمو البرامج كل ما تضمّه الساحة من «تينورات» (جمع Tenor الاستعارة من الأوبرا)، و«بريمادونات» (جمع primadona)، لتوضيح هذه النقطة الجوهريّة للمشاهد ــــ الناخب. هكذا أطلق عقاب صقر العنان لمقدرته التحليلية. «المحلل السياسي» حلّ على LBC، في ضيافة وليد عبود، مفككاً «العقل العربي»، متوصلاً إلى نتيجة ثورية في الفكر السياسي: «العمل الديموقراطي قد يكون أحياناً عملاً غير أخلاقي!». والله؟ نعم، تصوروا مثلا أن ينظم عقاب تظاهرة خلال حرب تموز ضد المقاومة: كان الأمر ليكون ديموقراطياً، إنما غير أخلاقي. والعماد عون يريد أن يسرق مقعد الشهيد بيار الجميل الذي قُتل لأنّه نائب ووزير (عقاب عنده الخبر اليقين عن أسباب هذا الاغتيال المقيت).
ننتقل إلى «المستقبل»، للاستماع إلى مناضل ديموقراطي معروف بعلمانيته، هو النائب السابق أسعد هرموش، أحد قياديي «الجماعة الإسلامية»، يتباكى على «إغلاق هذا البيت المارونيّ العريق» (المقصود آل الجميّل). لا تذكروا أحداً بما فعله «فرسان» هرموش يوم كسروا الأشرفية انتقاماً من الرسوم الكاريكاتوريّة الدنماركيّة، سيقول لكم الدكتور (سمير جعجع) الذي عقد مؤتمراً صحافياً يدافع فيه عن الديموقراطية والأخوّة بين الأديان و«الطائف» (!)، إنكم تحرّضون جماعة «الصليب المشطوب» على حلفائهم السلفيين، كما قال مخاطباً حسن نصر الله من دون تسمية: «والله عيب، تحريض الموارنة عالدروز!».
وصف هرموش المرشح العوني في المتن بأنّه «مرشح كاتم صوت»، وتحدث الرجل الحليق الشاربين والطليق اللحية، عن «اصطفاف إسلامي لرفض الاغتيال السياسي» (هذه معركة بيروت الثانية)، وعن الوحدة الوطنية وهوية بيروت الإسلامية. ثم جاء موعد مشاهدي الفيوتشر مع نشرة الأخبار بالأرمنية. وعندما قلبنا على «تلفزيون لبنان» ظننا لوهلة أن هرموش نفسه سبقنا إلى هناك، لكن سرعان ما تبينّا أنّنا في حضرة معتدل آخر، هو مسؤول القوات اللبنانية في المتن إدي أبي اللمع. تكلّم الرجل طويلاً ـــ فوقت البث على القناة الوطنية «ببلاش» ـــ وكان كلامه سلمياً، لكن المُشاهد ـــ الناخب أصيب بالرعب من دون شك، وهو يراقب حركات يده العصبية التي تهدد وتتوعّد، وملامح وجهه العابس، وعينيه الجاحظتين اللتين تقدحان شرراً. «ان شاء لله يمرق هالنهار بأقل خسائر ممكنة» قالت المذيعة الشقراء!
وطبعاً لا بد للمشاهد ــــ الناخب من موعد مع «كارلوس شو» على LBC. ذكر كارلوس إدّه زعيم الكتلة الوطنية، المشاهدين: «الديموكراتية رديناها عَ لبنان بمعركة الثورة». وكان المشاهد قد اكتشف قبلها بدقائق، أن أخ الرفيق الشهيد جورج حاوي، يدعو، مباشرة على الهواء من بتغرين، إلى انتخاب الشيخ أمين «حفاظاً على دم الشهداء»، وضد الذين كانوا وراء اغتيالهم. أما السيدة الأنيقة التي سألتها مراسلة NTV لماذا صوتي للشخ أمين، فأجابت: «أنا اليوم انتخبت بضميري». تقصدين أن...؟ «نحنا اليوم جينا ننتخب بضميرنا». لنغيّر الأسطوانة إذاً.
على محطة أخرى، النائب اليساري الديموقراطي إلياس عطالله يتكلم من بكفيا، «منعاً لإمكان أي انتكاسة»، ممتدحاً الدور التاريخي لعائلة الجميل في تاريخ لبنان. و«الإقطاعيّة السياسيّة؟» تسأل كلارا جحا (NTV) السيدة جويس الجميل. «لحظة خليكي معي شويّ، انت والاقطاعية. إذا كانت تؤدي الى الاستشهاد، فمرحباً بالاقطاعيّة! (تصفيق حاد في الصالة)». في الجديدة هناك لقطة يظهر فيها العلم الأميركي إلى جانب أعلام الكتائب ألم أقل لكم «سياديون»؟
بهدوء مطمئن، ولغة رصينة يتكلّم المحلل السياسي سليمان تقي الدين على شاشة NTV التي تميزت تغطيتها بموضوعيّة فعليّة! أوف، أخيراً يمكننا الاستماع من دون تشنّج. كلام تقي الدين نقدي، موضوعي، وهادئ. يتكلم من خارج أي انتماء فئوي أو طائفي. حججه لمصلحة هذا الفريق تارة، وذاك الفريق طوراً. يستنكر: «استعمال الشهادة كجزء من المعركة الانتخابية». ويقول «التاريخ مش لمصلحة الشيخ أمين (...)». ويختم: «لا بد من تصحيح نظامنا السياسي. لا يمكن الاستمرار من دون إصلاحات دستوريّة».