لم يتعرض أي أدب عربي آخر لما تعرض له الأدب العراقي في العقود الأربعة الأخيرة. الحروب المتواصلة وسياسة قمع المثقفين وأصحاب الرأي المختلف والتنكيل بهم أخرجت آلاف الشعراء والروائيين والفنانين والسياسيين من بلدهم، إلى حد أن الحديث النقدي صار يدور عن أدب الداخل وأدب المنفى. ما جرى أفقد الكتابة العراقية فرصة أن تنتظم في تحقيب يوزّعها على أجيال وتيارات ونبرات وأصوات مختلفة. لقد أسهمت الفرادة التراجيدية العراقية في جعل أبناء الجيل الواحد يتشتتون في جغرافيات متباعدة.بهذا المعنى، سيجد القارئ (غير العراقي خصوصاً) صعوبة هائلة في تتبع خريطة الرواية العراقية. ماذا لو تساءل مثلاً، عن الجيل النسائي الذي تنتمي إليه عالية ممدوح؟ أي مخيلة ستسعفه ليقدر على جمع عالية ممدوح مع لطفية الدليمي صاحبة «ممر إلى أحزان الرجال» (1969)، وسميرة المانع (السابقون واللاحقون ــــــ 1972)، وسالمة صالح (التحولات ــــــ 1970)، وبثينة الناصري (حدوة حصان ـــــ 1974)...
اللافت أنّ روايات هذا الجيل ابتعدت، بمستويات متفاوتة طبعاً، عن الرومانسية والجرأة اللتين وسمتا معظم الإنتاج النسائي الستيني في دول عربية أخرى، حتى إنّ نقاداً كثيرين لم يتمكنوا من الفصل بينها وبين ما كتبه روائيو تلك الحقبة من الرجال، لا لجهة النضج السردي والنبرات الشخصية في الكتابة فقط، بل لجهة الموضوعات والقصص التي كانت تُكتب ذلك الوقت.
لعل تلك البدايات الجدية والمتنوعة للروائيات العراقيات تشي بالتجارب اللافتة والمدهشة التي نقرأها اليوم، سواء لروائيات ذلك الجيل أو لمن جئن بعدهن. أما المؤسف فهو أنّ حظ الأسماء الجديدة لا يختلف عمن سبقهن. إذ لا تزال الكتابة العراقية محكومة بذلك التشتت القسري نفسه، كأن العراق كُتب عليه أن يخرج من مأساة ليدخل غيرها.