دبي ــ نور خالد
MTV، «نيويورك تايمز»، «هيرالد تربيون»، «بي بي سي فود»... تصلكم قريباً في حلّة عربيةً. هذا ما قرره رجال الأعمال في الخليج: تعريب أشهر وسائل الإعلام في العالم... يبقى أن نعرف كيف ستأخذ مكانها هذه المشاريع؟ كيف ستتعامل مع تهم التغريب وفتاوى التحريم؟


في شارع «الضيافة»، وسط دبي، حيث المطاعم تحمل أسماء بيروت وسوريا وطهران وإسطنبول ومجموعة الـ«فاست فود» الأميركية، تعلّق مكتبة «الحكمة» صحفاً، تحمل أسماء البلدان ذاتها. صحفُ العالم، عند العتبة، على الرصيف الرطب، تظهر كوزموبوليتية المدينة، حيث المطبخ والفكر والمجتمع بنكهات الثقافات جميعاً. «يو أس توداي»، «هيرالد تريبيون»، «فايننشال تايمز»، إضافة إلى عشرات مجلات الموضة وأنماط الحياة والدوريات المتخصصة، كلّها بلغاتها الأصلية. لكن، على مسافة كيلومترات من شارع «الضيافة»، وفي مدينة الإعلام، تُعقد اجتماعات مكثفة محورها: تعريب صحافة العالم و«ضخّها» في الأسواق العربية. هذا إضافة إلى البحث عن كوادر عربية «لطبخ» تلك المواد بلغة الضاد. وعلى ما يبدو، تقف عوائق عدة أمام هذا المشروع الذي من المنتظر أن يبصر النور قريباً: إيجاد الكوادر المناسبة، معوقات قانونية وأخرى تتعلق... بفتاوى الشيوخ!
في مبنى «الشركة السعودية للأبحاث والنشر» التي تصدر أكثر من 18 مطبوعة بينها «الشرق الأوسط» و«سيدتي» و«الرجل»، وتوزع المئات من صحف ومجلات العالم العربي في السعودية والإمارات، يتكرر اسم «نيويورك تايمز» بقوة على ألسنة المدراء التنفيذيين في الشركة التي دخلت البورصة قبل فترة، ويمتلك الوليد بن طلال 25 في المئة من أسهمها. فالمفاوضات مع الناشر الأميركي الذي يوزع يومياً أكثر من مليون ومئة وعشرين ألف نسخة من صحيفته الشهيرة، قاربت على الانتهاء. وها هي دبي والرياض «تشهدان قريباً إطلاق النسخة العربية من «نيويورك تايمز» لتوزع في المنطقة العربية»، حسبما أفاد مصدر مسؤول في الشركة لـ«الأخبار»، طالباً عدم ذكر اسمه. ويضيف هذا المصدر أن إدخال المزيد من عناوين الميديا العالمية إلى العالم العربي، كان من المحاور الرئيسية التي طرحت في لقاء منتصف آذار (مارس) الماضي، جمع الوليد بن طلال مع الأمير فيصل بن سلمان، رئيس الشركة السعودية. وتمّ الاتفاق على جملة من العناوين، أولها إصدار ستة مجلات تحمل عناوين «ديزني» باللغة العربية أوائل الشهر المقبل. وسيكون توزيع هذه المجلات محصوراً في منطقة الخليج والأسواق العربية التي لا تدخل إليها مجلات شركة «نهضة مصر» التي تنشر، بترخيص من «ديزني»، حكايات «ميكي ماوس» و«بطوطة»، ويملكها الإعلامي عماد الدين أديب. ويبدو أن تحديد النطاق الجغرافي لتوزيع المطبوعات المعرّبة، هو أحد أهم الشروط التي يفرضها الناشرون الأجانب على الشركات الحاصلة على التراخيص. كما تواجه الشركة السعودية قوانين المطبوعات في دولة الإمارات التي تنص على أن الصحافة العالمية التي تترجم لها حصة محددة من التوزيع، تتحدد على أساسها حصة إعلانية ثابتة، لا يمكن تجاوزها. ويقول المصدر إن الشركة قد تلجأ الى إطلاق العناوين المترجمة من السعودية، مستفيدةً من التسهيلات التي ستحظى بها لكونها شركة سعودية بالأساس، «على أن يقوم أحد فروع شركاتنا في الإمارات بالتوزيع هناك، ومنها إلى دول أخرى».
وسط كل هذه المشاريع، تفرض السوق السعودية شروطاً من «نوع آخر». إذ تواجه مشاريع الشركة هناك تحدي إقناع علماء الدين بعدم «تجييش» الناس لمقاطعة منتجاتها. وهي منتجات يصفها بعض «المحافظين» بأنها تحرّض على «الفسق والفجور». ولا تزال أصداء الضجة التي أثارها علماء دين، يوم قررت الشركة طرح أسهمها للاكتتاب العام في سوق المال السعودي قبل أشهر، تتردد في عقول المسوؤلين وتزيدهم حذراً تجاه كل خطوة يخطونها. آنذاك، خرج الدكتور يوسف الأحمد، أستاذ الفقه في جامعة «الإمام» في الرياض، بفتوى شرعية نصت على الآتي: «بعد الاطلاع على موقع الشركة الرسمي تبين بجلاء تام حرمة الاكتتاب فيها، لأن نشاطها محرّم. ولا يخفى على أهل الإيمان ما تتبناه الصحف والمجلات الصادرة عنها من فكر تغريبي، وصور عارية، وابتذال المرأة بجعلها وسيلة للإغراء والترويج لمجلاتها وصحفها. وهي تمتلك أيضاً «الشركة السعودية للتوزيع» التي تعدّ أضخم شركة توزيع داخل المملكة، وتوزع أكثر من ثمانين مجلة وصحيفة، أكثرها يحمل الصور الخليعة والأفكار المفسدة. وتزداد حرمة الشركة في المجاهرة بالمعصية، وتحمّل ذنوب المطلعين على منشوراتها والمتأثرين بها، إضافة إلى تعاملاتها المالية الربوية».
نشرت الفتوى على مواقع الإنترنت، وزاد عليها بعضهم أن «اللحم الذي ينبت من سحت، النار أولى به». ويعلّق المصدر بأنه «قد تسعى الشركة من خلال مشاريعها إلى استرضاء «المحافظين» عن طريق تعريب عناوين صحافة عالمية رصينة وتوفيرها للقارئ السعودي الذي لا تزال القراءة بالإنكليزية مهمة لا تروقه». ويضيف بحماسة: «لا ندري إن كانوا سيتهموننا بمزيد من التغريب، وخصوصاً أن العناوين التي نسعى إلى جذبها غالبيتها أميركية»، ولا يخفي أن الأمير الوليد مهتمّ بشكل خاص بالشراكة مع المؤسسات الأميركية.
هذا في ما يخص أميركا، لكن ماذا عن بريطانيا، وخصوصاً أن مجلة «المجلة»، أحد إصدارات الشركة السعودية، تنشر أسبوعياً مواد مترجمة عن المجلة البريطانية الأشهر في عالم الاقتصاد «إيكونومست»؟ يجيب المصدر: «نفكّر جدياً في إصدار نسخة عربية كاملة من المجلة التي توزع مليون نسخة أسبوعياً. وهناك مفاوضات في هذا الشأن». إلا أن معلومات أخرى تفيد بأن الناشر البريطاني قد يكون مهتماً بإعطاء الترخيص لشركة بريطانية، تعمل في دبي في حقل النشر، وهي الوكيل الإعلاني الحالي لمجلة «إيكونومست» في أسواق الخليج. كما تجري مفاوضات شبيهة بشأن «هيرالد تريبيون»، الشقيقة الاقتصادية لـ«نيويورك تايمز». وفي حال إصدار «إيكونومست» بنسختها العربية، ستكون التجربة الثالثة في مجالها، بعدما سبقتها «فوربس» الأميركية بنسخة عربية من دبي، و«بزنس ويك» الأميركية بنسخة من بيروت، إضافة إلى «نيوز ويك» الشاملة التي تصدر نسختها العربية من الكويت.
في عددها الأخير، نشرت صحيفة «العالم»، وهي تابلويد تصدر في دبي، على غلافها، أن الخليج سيكون «مرضّعة العالم» بحلول عام 2012، إذ سيصل سعر برميل النفط إلى 100 دولار، و«ستبيع دول الخليج البترول بالمرضّعة والغاز بالولاعة»، بحسب ما جاء في المقالة... بعد هذه الثورة في عالم المطبوعات، هل تتخيل أن يصبح الخليج أيضاً «مرضّعة أفكار»؟

... والإنكليز على الخط

في وقت يضبط فيه السعوديون بوصلتهم صوب الولايات المتحدة، لا تزال بريطانيا الوجهة المحببة بالنسبة إلى القائمين على الميديا في دبي. وقبل أسبوع، زار وفد إعلامي من دبي، يعمل لـ«مجموعة الميديا العربية»، إحدى أكبر الشركات الإعلامية في الإمارات والمنطقة، مكاتب «بي بي سي» و«الإيكونومست» و«الفايننشال تايمز» في لندن. هناك، طلع الوفد على غرف التحرير الداخلية في هذه الصحف، واجتمع مع مدرائها، وبُحثَت صيغ تعاون مختلفة بين هذه المؤسسات والشركة الإماراتية التي تصدر ثلاث صحف وعدداً من المجلات، وتملك تحت مظلتها 14 محطة إذاعية، إضافة إلى حصولها على ترخيص بث القناة الموسيقية العالمية «أم تي في» التي يشاهدها 378 مليون يومياً حول العالم، بنسخة عربية، ستنطلق خلال الشهرين المقبلين. وشملت الجولة أيضاً مدريد، حيث زار الوفد مكاتب مجلة «إيكونوميستا» وصحفاً ومجلات أخرى. وسوف تنقل تلك المطبوعات خبرتها إلى الصحف الإماراتية الثلاثة («البيان»، «الإمارات اليوم»، «إمارتس توداي»)، على مستوى التحرير والشكل، وحتى آلية العمل الداخلي بين الصحافيين.
على خط آخر، تتقدم الكويت كلاعب رئيسي في مجال جذب الاستثمارات الإعلامية العالمية إلى المنطقة، من خلال رجل الأعمال الكويتي المعروف ناصر الخرافي. وهذا الأخير تمتد استثماراته على رقعة واسعة من العالم العربي من مصر إلى سوريا والمغرب العربي. وعلمت «الأخبار» أن الخرافي بصدد إطلاق النسخة العربية من قناة الطعام الأكثر شعبية في العالم «بي بي سي فود»، إضافة إلى قنوات أخرى. وتفيد معلومات مقربة من رجل الأعمال المعروف بعلاقاته الوطيدة مع أنظمة عربية مثل النظام السوري، بأنه يرغب بقوة في التوجه إلى جلب عناوين إعلامية عالمية إلى المنطقة، ولم «يعد راغباً بالاستثمار في الإعلام المحلي بعد مصاعب كثيرة واجهته في بلدان مثل مصر و لبنان، نتيجة البيروقراطية أو الحساسيات السياسية». ولم ينجح مشروع شرائه لمحطة «أن بي أن» اللبنانية التابعة لرئيس مجلس النواب نبيه بري بهدف تحويلها إلى «سيتي تي في»، وآثرت «أن بي أن» إعادة هيكليتها... من الداخل.