دمشق ــ خليل صويلح
  • كويلو ومحمود درويش يتنافسان على قلب الجماهير


  • إنها دورة الخيبة! «معرض دمشق الدولي للكتاب» يفتقد هذا العام العناوين الجديدة والندوات المثيرة. منعت روايتا سلوى النعيمي وفوّاز حداد، فيما طغت على الإصدارات الجديدة مواضيع الإرهاب والقاعدة والشرق الأوسط الجديد

    إنها دورة الخيبة! «معرض دمشق الدولي للكتاب» يفتقد هذا العام العناوين الجديدة والندوات المثيرة. منعت روايتا سلوى النعيمي وفوّاز حداد، فيما طغت على الإصدارات الجديدة مواضيع الإرهاب والقاعدة والشرق الأوسط الجديد
    «معرض دمشق الدولي للكتاب» يكاد يخلو هذا العام من المفاجآت. ليس بوسع الزائر أن يلتقي بين الأروقة، بكاتب عالمي أو عربي مرموق، وعبثاً يحاول البحث عن ندوة ساخنة تحرك النقاش وتشحذ الأذهان. لكن الدورة الثالثة والعشرون التي تنتهي في 11 الجاري، تبقى الفرصة الوحيدة للحصول على عناوين جديدة. توقيت المعرض كان أحد أسباب تذمّر الناشرين. إذ ترافق مع موجة حرّ شديدة حاصرت الزوّار، فغاب الجمهور عن ندوات خلت من المحاور السجالية وهيمن الخطاب السياسي على معظمها: «حرب كبيرة في شرق أوسط جديد»، و«الشرق الأوسط في سياسات الدول الكبرى»، و«الأساس الأخلاقي في ثقافة المقاومة»، و«المعتقد الديني والحرية»...
    حاولت «الهيئة العامة للكتاب» الإعلان عن حضورها، من خلال إقامة ندوات موازية لتكريم بعض المبدعين السوريين أمثال الراحل عبد السلام العجيلي وعادل أبو شنب ومحمد أبو معتوق ووليد إخلاصي وألفت الإدلبي وفايز خضور في قاعة صغيرة ومجهولة، وهو ما خلق وضعية مربكة للمكرمين الحاضرين، إذ وجدوا أنفسهم أمام قاعات شبه خالية من الجمهور!
    وقد لاحظنا ضيق المساحة المخصّصة للأجنحة. حتى أنّ بعض دور النشر رميت خارج سور مكتبة الأسد، الأمر الذي أثّر في حجم المبيعات، وصعوبة الوصول إلى بعض دور النشر المعروفة (415 داراً، 30 ألف عنوان، من 12 دولة عربية و9 أجنبية). أما الإصدارات الجديدة، فطغت عليها المواضيع الدينية والإثنية والإرهاب. ولا تخلو قائمة دار نشر من عنوان أو أكثر يعالج مسألة الهوية والخصوصيات الوطنية. من المسألة الكردية: «الكرد دراسة سوسيولوجية وتاريخية» لباسيلي نيكتين (دار الساقي) و«الأكراد من القرن السابع إلى القرن العاشر» لأرشاك بولاديان (دار التكوين) إلى «المندائية» لنعيم عبد مهلهل (دار نينوى) و«اليزيدية» لسعيد الديوه جي (المركز الثقافي العربي)، و«الزرداشتية»، و«أخبار القرامطة»، و«الإسماعيليون بين الاعتزال والتشيّع»...
    أما كتاب «الرؤية القلقة في أطروحة الدولة القومية في العراق» لمؤيد عبد القادر (دار نينوى)، فيصبّ في السجال الساخن نفسه حول خريطة العراق ما بعد الاحتلال، وهو في حقيقته جاء رداً على كتاب آخر أثار سجالاً ساخناً بعنوان «عمر والتشيّع» للباحث العراقي حسن العلوي. ويقترح فرانسوا بورغا في كتابه «الإسلام السياسي في زمن القاعدة» الذي عرّبته سحر سعيد (دار قدمس)، مقاربة عقلانية للإسلام السياسي وخلفياته. فأباعه ليسوا مجرد فقراء «أهملتهم التنمية»، أو أغنياء «أسكرتهم أموال النفط المبددة»... بل نتيجة عوامل عدة هي في المحصلة رد فعل على السيطرة الأحادية.
    وجهة نظر أخرى في تنظيم القاعدة يقترحها عبد الباري عطوان في كتابه «القاعدة: التنظيم السري» (دار الساقي). الصحافي العربي الوحيد الذي حظي بفرصة لقاء أسامة بن لادن ومحاورته في مخبئه في طورا بورا، يسلّط الضوء على دور «القاعدة» في العراق، منذ ما قبل الغزو الأميركي حتى اليوم، ويبيّن أسباب عجز الاستخبارات الغربية عن كشف الهجمات قبل حدوثها. كذلك يعدد الأخطاء التي اقترفتها «القاعدة»، كالفتوى التي تجيز قتل الصليبيين واليهود. وتوقف القراء، في جناح «دار الساقي»، عند كتاب لكميل الطويل، صدر قبل فترة بعنوان «القاعدة وأخواتها: قصة الجهاديين العرب». يعرّج المؤلف على جماعات الجهاد منذ ثمانينيات القرن الماضي إلى اليوم، محاولاً تبيّن اختلافاتها في الفكر والمنهج.
    الكاتب السوري المعتقل ميشيل كيلو كان حاضراً في جناح «دار الفارابي»، من خلال كتاب نيكولاس بولانتراس «نظرية الدولة» الذي عرّبه هو. الكتاب محاولة جدية في تفسير معنى الدولة الحديثة والمواطنة وأهمية العمل المؤسساتي في بناء الدولة.
    ومن السياسة إلى الأدب، تزداد خيبة القراء. عبثاً بحث الزوار عن رواية سلوى النعيمي المنتظرة «برهان العسل» في جناح «دار الريس». لسبب «غامض» غابت الرواية التي قد تصدم الحسّ المحافظ عن المعرض. بعد التدقيق، تبين أنّها ممنوعة، على رغم اصرار ادارة المعرض على انها لم تمنع أي كتاب! الأمر نفسه بالنسبة إلى رواية «مشهد عابر» لفوّاز حداد: لا أثر لها! مسؤول الجناح يحاول إقناع الزوار برواية بديلة هي «اكتشاف الشهوة» للجزائرية فضيلة الفاروق. وعلى بعد خطوات تفاجأ بوجود «النصوص المحرّمة» لشاعر ملعون هو الحسن بن هانئ الحكمي المعروف بـ... أبي نؤاس! كذلك تقع على عنوان مثير آخر هو «المطاوعة» للسعودي مبارك علي الدعيلج.
    وطبعاً الأعمال الكاملة لمحمود درويش تتصدر قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في جناح «رياض الريس»، الأمر الذي يطرح سؤالاً مقلقاً عن غياب رغبة الاكتشاف، وحسّ المغامرة لدى قارئ اليوم. لا أحد مهتم بنبش أسماء إبداعية جديدة. الجمهور يبحث عن «الطرب» نفسه الذي اعتاده، ويطلب منه المزيد! والأغلبية الساحقة تفضل الركون إلى التجارب التي تعرفها جيداً، لا فقط بسبب شهرة أصحابها. فالسبب هو أن الذائقة الأدبية تراوح مكانها، بتعبير محمد عضيمة. يرى هذا الشاعر السوري في تصريح لـ«الأخبار»، أنّ «هيمنة الكبار» على المشهد طوال عقود، دليل على استقرار العقل العربي، وإلا فما تفسير تصدّر أعمال محمد الماغوط في جناح «دار المدى» التي تتواصل طبعاتها!
    أعمال باولو كويلو تلقى هي الأخرى إقبالاً خاصاً. فالروائي البرازيلي آخر موضة، وكتبه مرغوبة لدى السيدات على نحو خاص. وإضافة إلى روايته الأخيرة «ساحرة بورتوبيللو» (شركة المطبوعات)، تلقى مجموعة نصوصه الأخيرة «كالنهر الذي يجري» (دار ورد) اهتماماً ملحوظاً من القراء. النصوص الجديدة ليست سوى مقالات صحافية، لكنّها لا تخلو من بعد أدبي وأوتوبيوغرافي، إذ وجد فيها صاحب «الخيميائي» فرصة لاستعادة طفولته وبداية اهتمامه بالأدب والكتابة. وتراهن «دار ورد» على رواية «أيام وليالٍ» للفرنسي المولود في الإسكندرية، جيلبير سينويه بعد نجاح روايته «ابن سينا أو الطريق إلى سمرقند».
    وكعادته، يوقّع حنا مينه أعماله في جناح «دار الآداب». وهذا الموسم يتجدد موعده مع القراء بتوقيع روايته الجديدة «النار بين أصابع امرأة». كذلك تقترح الدار مجموعة من الروايات الجديدة نسبياً، للقارئ السوري على الأقل، مثل «كأنها نائمة» لإلياس خوري، و«دنيا» لعلوية صبح، و«جوع» لمحمد البساطي، و«هذا الأندلسي» لسالم حميش، و«امرأة الرسالة» لرجاء بكرية. وقد وجدت مديرة الدار رنا ادريس في المعرض، فرصة لاقتناص نصوص طازجة، واكتشاف أصوات جديدة في الرواية السورية.
    من جهتها، أعادت «دار المدى» طباعة الأعمال الكاملة لصاحب نوبل الأخير، أورهان باموق وصدرت روايته «البيت الصامت» في سلسلة «نوبل» لأول مرة. في الدار نفسها، يلقى ديوان سعدي يوسف الجديد «الشيوعي الأخير يذهب إلى الجنة» إقبالاً ملحوظاً من القراء. لكن هذه الكتب، لا يسعها وحدها ـــ على أهميتها ـــ أن تعيد إلى معرض كتاب دمشق ألقه الضائع، أو وهجه المفقود!