بيار أبي صعب
«رائد ياسين يعرض للبيع مكتبته الموسيقيّة. أكثر من ألف CD تشمل الجاز والموسيقى الكلاسيكية والروك البديل والارتجال والاختباري والكلاسيكي المعاصر إلخ». تقرأ الاعلان الذي أرسله رائد عبر الايميل إلى معارفه وأصدقائه، مشيراً إلى نفسه بصيغة الغائب، فتخال لوهلة أن للخبر بعداً لم تلتقطه من القراءة الأولى. لعلّها دعوة إلى عرض أو تجهيز... مغامرة من النوع الذي عودنا عليه هذا الفنان المتعدد المشاغل. من الفيديو والتجهيز... إلى المسرح والرقص والموسيقى الحرّة المرتجلة.
لكن رائد ياسين ضرب لنا موعداً حقيقياً في الحمرا، يومي ١٣ و١٤ آب (أغسطس)، مثلما نحدد توقيت جنازة. دعانا إلى مقهى «ة مربوطة»، لنبارك انسلاخه التدريجي عنّا. يريدنا أن نشهد على استقالته، على موت زمن، وتبعثر جيل، في بيروت التي كانت تخطط لأحلام طليعية كثيرة. إنّه يبيع تاريخه السرّي، وماضيه القصير. ألف أسطوانة هي وطن لم يعد يريده. ويريدنا نحن أن نقترع على أوهامه، أن نتناهش جثته كما كان يفعل الاغريق في الطقوس القديمة، إذ ينقضّون على «كبش الفداء» فوق المذبح، للتطهّر من خطاياهم... أم تراه يردد، مع أبي حيان الذي أحرق كتبه: «وأغرب الغرباء من كان غريباً في
وطنه»؟
ليست عمليّة بيع مألوفة، بل فعل استقالة عنيفة، حفلة تعذيب جماعيّة. تمرين مؤلم على انتحار رمزي، بارد، نتحمل فيه قسطاً من المسؤوليّة. بشير صفير قال إنّه لن يذهب. ومازن مسافر أصلاً، وهذا أفضل وأستر، لأنه يهوى الضحك في المآتم. وأنا سأكون في أصيلة، ثم إنني لا أريد أن أمتلك أجزاء من روحك يا رائد، ولا تتسع مكتبتي لبعض حطامك!