خليل صويلح
يعترف مارتن سكورسيزي في كتابه «مسرّاتي كسينمائي» بأنّ فرانسيس كوبولا من أوائل الذين أثّروا في مسيرته الإخراجية، لكنه يشرح كيف آثر أن يسلك طريقه الخاص بعيداً من الماكينة الهوليوودية الطاحنة. هكذا اقتحم سكورسيزي السينما الأميركية بموضوعات مختلفة عمّا كانت تروّج له هذه السينما. وكان فيلمه «الشوارع القذرة» صفعةً قاسيةً للمشاهد الاميركي، حين أضاء الجوانب المعتمة من حياة المهاجرين. تبقى نيويورك التي نشأ فيها ثيمة أساسية لكل أعماله اللاحقة، خصوصاً فيلمه «سائق التاكسي» الذي تحوّل أيقونةً كلاسيكيةً في وصف الجانب القذر والقاسي من حياة المدينة.
في «مسرّاتي كسينمائي» الذي ترجمه فجر يعقوب (وزارة الثقافة ــــ دمشق)، يضيء صاحب «نيويورك نيويورك» جوانب من سيرته السينمائية وخيباته وأحلامه بصفته ممثلاً لجيل الستينيات الأميركي. هذا الجيل الذي سعى إلى تأصيل سينما المؤلف وصوغ فضاءات بصرية محكومة بقوانين صارمة وقاسية، تشبه الواقع الذي تتناوله هذه السينما. إذ لطالما أكد هذا المخرج على واقعية صارخة في كشف عنف نيويورك وتحليل سلوك طبقاتها من القاع القذر إلى أسرار الطبقات العليا، حيث العالم الساحر للمافيا والتصميمات المرعبة للسلطة. هذا ما نجده في «كازينو» و«عصابات نيويورك». إذ واظب هذا المخرج على تفكيك آلية هذا المجتمع. «شخصياته غارقة في إحساس دائم بالإثم الكاثوليكي. أناس حالمون بالسلطة، مهووسون بالمال والعنف، ومثيرون للمتاعب يعذّبون أنفسهم بنفس القدر الذي يعذبون فيه ممن حولهم».
في رحلة سكورسيزي السينمائية التي تمتد أربعة عقود، رافقه ممثله المفضّل روبرت دي نيرو الذي «يمتلك موهبة تمثيلية خارقة، وقد اكتشفته وهو يرتدي ملابس عهد جميل انقضى ويضع على رأسه قبعة خفيفة... قبعة مدهشة لبطل عرفت للتو أنه سيكون هو حصراً من سيلعب دور البطل في «الشوارع القذرة» وهكذا استمرينا معاً». يتذكر سكورسيزي حكمة من والده وهي «عندما تتكلم كثيراً، فلن يبقى في رصيدك أي كلمة. وما عليك في هذه الحالة سوى أن تختطف عصا بايسبول وتضرب». لقد كان صاحب «الثور الهائج» يسدد ضربات ناجحة وسط منظومة الطحن التي تسحق كل شيء في هوليوود، على رغم أن حياته تتضمن تناقضات مذهلة، لكن قديس السينما ظل منفتحاً على الأفكار الجديدة والأساليب المبتكرة. فواقعيته الخشنة لم تمنعه من خلق مجازاته الخاصة في تفسير عوالمه، سواء في مناوشته عالم المافيا أو الجوانب الروحية كما في «الإغواء الأخير للمسيح».
في فصل بعنوان «من دون الموسيقى كنت سأضيع»، يتحدث سكورسيزي بشغف عن عشقه للموسيقى ويراها مصدره الأساسي للوحي. البوب الذي استخدمه في «الثور الهائج» بينما لجأ في «الإغواء الأخير للمسيح» إلى موسيقى فرقة «ناس الغيوان» لما تحتشد به من أبعاد صوفية. ويقول أخيراً «أبدأ بتخيّل الفيلم بصرياً بعد أن أكون قد استمعت إلى موسيقاه المختارة».