strong>ثائر غندور
«هل يُمكن أن تتخيّل أن الجنود الأحياء الخارجين من معركة غيتسبرغ (Gettysburg)، يكتبون يومياتهم مباشرة على شبكة الإنترنت... ليس من الضروري أن تتخيّل، فهذه باتت عادة يمارسها يومياً الجنود الأميركيون في العراق وأفغانستان»، يقول مارك ميموت في صحيفة USA Today. ويشرح أن هؤلاء الجنود يعتبرون المدونات وسيلة أساسية تعرّف مواطنيهم في واشنطن وتكساس بحقيقة ما يجري في أرض المعركة. هكذا، مثلاً، كتب الجندي مارتينز (20 سنة) على مدونته قبل أيام من مقتله في العراق: «ما زلتُ حياً... ما زلت أناضل... أعدّ الأيام الباقية للخروج من هذه النار».
في وقت باتت فيه المدونات الإلكترونية تشكل منبراً مهماً لدعوات التغيير في أوروبا وأميركا وبعض بلدان الشرق الأوسط، لم يستطع المدوّنون اللبنانيون أن يتحوّلوا إلى «رقم صعب» في هذه المعادلة. ومع ذلك، نجد أن المدوّنات المحلية نجحت في خوض معركة إلكترونية ضدّ المدوّنين الاسرائيليين خلال عدوان تموز. هذه التجربة التي بقيت محصورة في الحرب، حوّلت الـ «بلوغز» يومها إلى شبه وكالة أنباء، تتابع ساعة بساعة آخر تطورات الحرب، على جميع الأصعدة. ويوم طرحت CNN على موقعها الإلكتروني، تصويتاً حول أحقية إسرائيل في الدفاع عن نفسها الصيف الماضي، نجحت النداءات التي أطلقها المدوّنون اللبنانيون في تغيير النتيجة التي كانت تميل حكماً في البداية إلى مصلحة إسرائيل.
أسباب كثيرة كانت وراء انتشار الـ«بلوغز» في العالم العربي، لعلّ أبرزها القمع الذي يتعرّض له المواطن في ما يخصّ التعبير عن أفكاره. وقد لا تبدو مفاجأة مثلاً أن السعودية نالت من منظمة «مراسلون بلا حدود»، «أول جائزة عالمية للرقابة»، كنوع من الاحتجاج على حجب مواقع إلكترونية عدة في المملكة (وصل عددها إلى 400). وفي تونس، توقف موقع «يزّي» (www.yezzi.org)، وهي كلمة محلية تعني «يكفي»، بعد 18 ساعة من إطلاقه، كما أكد القيمون عليه. هذا الموقع شكل أول تظاهرة إلكترونية في العالم، إثر دعوة الزائرين إلى التظاهر «إلكترونياً» عبر وضع صورهم، حاملين لافتةً تدعو الرئيس التونسي زين العابدين بن علي إلى التنحّي.
أما في لبنان فهامش الحرية وانتشار الإعلام الخاص، لم يوجد حاجة سياسية ماسة إلى تفعيل دور المدونات. أضف إلى ذلك ندرة المواقع الإلكترونية اللبنانية، باستثناء موقع المثليّين (www.gaylebanon.com). وقد حاولت شرطة الآداب الضغط على المدير العام لشركة Destination المزودة لخدمات الإنترنت، زياد مغربي، للكشف عن أسماء أصحاب هذا الموقع، والمشتركين فيه، إلا أن مغربي رضخ لمهلة الـ48 ساعة التي منحته إياها السلطات اللبنانية لإغلاقه، رافضاً الإفصاح عن هوية أعضائه.
من هنا، يُمكن فهم أسباب تميّز موقع «التيار الوطني الحرّ» وغرف الدردشة التابعة له عن المواقع التابعة لباقي الأحزاب: فالتيار كان ممنوعاً من النشاط السياسي العلني طوال 15 عاماً، وقيادته كانت منفيّة خارج لبنان. لذلك شكّل الإنترنت وسيلة مثالية للتواصل والتعبير عن خيارات الجنرال عون ومؤيديه السياسية.
وتجدر الإشارة أخيراً إلى أنّ أغلب المدوّنات الناشطة في لبنان اليوم هي شبابية يسارية، مثل (www.yasaree.net) و(www.jammoul.net)... ويعزو هؤلاء رواج مواقعهم إلى شعورهم بعدم تمثيلهم في الإعلام
المحلي.