نور خالد
إنه «القبلة التلفزيونية» في رمضان،تماماً كشراب «فيمتو» لا يستغني عنه السعوديون... إلا أن «طاش ما طاش» لن يكتفي هذا العام بجرأة تثير حفيظة الرقابة، بل ارتدى ثوب الحداثة، مدشناً مرحلة جديدة في الإعلام العربي: اطلبوا آخر أخبار عبد الله السدحان وناصر القصيبي، مباشرة على التليفون

رمضان المملكة العربية السعودية قبلته مكّة المكرمة وطقوس العبادة في الحرم المقدس. لكن «القبلة التلفزيونية» التي يضبط السعوديون بوصلتهم صوبها هو المسلسل الشعبي «طاش ما طاش»... منذ ظهوره قبل 15 عاماً، أحدث العمل الضجة، إذ وجد فيه المشاهد السعودي «فشّة خلق»، عبر توجيه انتقادات (مضبوطة في الغالب حتى لو تمادت في جرأتها) إلى آليات تحكم الشارع هناك. حقق العمل نجاحاً كبيراً، وتميز بطرح جريء، عبر قالب كوميدي، لقضايا يومية يعيشها المواطن السعودي، من الخلل الإداري في المؤسسات الحكومية إلى المجتمع وتقاليده... هكذا أثارت بعض الحلقات حفيظة المتشددين الذين طالبوا بإيقافه، وانتقل السجال إلى غرف الدردشة على شبكة الإنترنت، كما وصلت أصداؤه إلى تل أبيب.
وفيما أسهمت القنوات الفضائية في ذيوع شهرة المسلسل في السنوات الخمس الأخيرة، بقيت مشاهدته بحكم الحال، تحقق النسبة الأعلى في السعودية. ولأن الإنتاج الإعلامي الفضائي الترفيهي يتوجه بغالبيته إلى إرضاء ذائقة فتيان و«فتيات الرياض»، وبالتالي المعلن الأكثر إنفاقاً في السوق الاستهلاكية بامتياز... تابعنا العام الماضي معركة «أل بي سي» اللبنانية و«أم بي سي» السعودية، على استقطاب العرض الحصري للمسلسل الذي لا يستغني عنه السعوديون في رمضان تماماً مثل عصير «فيمتو». وبمحصلة المعركة، انشطر «طاش ما طاش 14» إلى عملين، استحوذت الفضائية اللبنانية التي غازلت دوماً جمهور الخليج، على ما سمته «الشقّ الأصلي» مع مخرج العمل عامر الحمود، فيما عرضت «أم بي سي» نسخة ثانية مع نجميه التقليديين عبد الله السدحان وناصر القصيبي، إيماناً منها بأن أهل الدار أولى بالغنيمة. في واقع الأمر، ما بدا للجمهور أنه معركة «شدّ حبال» بين قناتين على مسلسل ناجح، لم يكن سوى تكتيك إعلاني قادته منظومة أنطوان الشويري، وكيل الإعلانات الحصري للفضائيتين. كان هدفه توسيع كعكة «طاش ما طاش» الإعلانية التي تفيد مصادر في الوكالة لـ «الأخبار» بأن «شذرتها» (أي الدقيقة التلفزيونية الواحدة)، يصل سعرها إلى 13 ألف دولار أميركي! وتضيف المصادر أنّ «إعلانات العمل السعودي هي الأغلى على الشاشات العربية، ولا يسبقها إلا الإعلان عن برنامج «ستار أكاديمي» الذي يصل سعر دقيقته إلى 15 ألف دولار أميركي». في المحصلة، فإن الشويري دفع بالمعلن، في رمضان الماضي، إلى ضخّ مزيد من الأموال في حافظة «أل بي سي» من طريق «طاش ما طاش الأصلي». ويوضح المصدر: «المعلن كان متخوفاً من تعاطف المشاهد مع العمل الذي تم الترويج له على أنه الحقيقي بوجود مخرجه الأصلي، بسبب إيمانه بأن الجمهور يلحق النجوم لا المخرج. وهذه الحيرة دفعته إلى أن ينفق هنا وهنا، أي «أم بي سي» و»أل بي سي»، وإن كانت الأولى قد استأثرت بالحصة الأكبر».
أما في رمضان المقبل، فلا يبدو أن التجربة ستتكرر، على رغم بقاء «طاش ما طاش» في الأضواء، وخصوصاً أن «كعكته» ستحمل مفاجأة من الطراز الأول: لقد بيعَت حقوق بث الحلقات الجديدة إلى شركة «الاتصالات السعودية» مقابل... مليون دولار. وبموجب الاتفاق، سترسل شركة الاتصالات إلى مشتركيها، يومياً طوال رمضان، تلخيصاً بالصوت والصورة لأحداث الحلقة، مدته أربع دقائق، يشاهدها حامل «الجوّال» قبل أذان المغرب، على هاتفه، ثم يتابع الحلقة كاملة بعد الإفطار على شاشة «أم بي سي». وسيدفع المشتركون لقاء هذه الخدمة مبالغ من الريالات، و«ربما تتخلل الدقائق الأربع إعلانات خاطفة، أو رعايات تجارية في أسفل المشهد»، حسبما يؤكد المصدر.
«طاش ما طاش» مسلسل، وإن اختلفت الآراء في أهميته، وجيّره بعضهم لحساب السلطة التي «تنفّس» عن شعبها، وعدّه بعضهم الآخر عملاً ساذجاً... إلا أن كونه الأغلى على الشاشات، دليل واضح على أن بيضة الذهب تبقى، وحتى إشعار آخر... في «قفص السعودية».
في السنة الماضية، اختار «طاش ما طاش» الحديث عن «المحرّمات»، عبر تناول قصة تتعلق برجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أثارت الحلقة جدلاً واسعاً في الشارع السعودي بعد انتشار مقطع فيديو، تناقلته الهواتف الخلوية، يظهر تجاوزات رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وبعدما قررت أجهزة الرقابة السعودية منع عرض الحلقة آنذاك، لا شكّ في أنها اليوم تفكّر ألف مرة في كيفية تعاطيها مع المسلسل الجديد، بعدما أصبحت مشاهده بمتناول مستخدمي الموبايل في المملكة.
تجدر الإشارة أخيراً إلى أن علاقة الموبايل بالتلفزيون ستتوطد بشكل ملحوظ أخيراً، إذ علمت «الأخبار» أن فضائية «سبايس تون» للرسوم المتحركة، وقعت عقداً مع شركة «الاتصالات» الإماراتية، لترويج أعمالها على هواتف أهالي المشاهدين الصغار.