محمد عبد الرحمن
قريتان كاملتان شيّدتا للتصوير، عشرات الكاميرات في شوارع القاهرة والضواحي، وأفلام تسجيلية تسبق العرض... بين «عمارة يعقوبيان» و«المصراوية»، يتنافس أسامة أنور عكاشة وعلاء الأسواني هذا الموسم على «حبّ مصر»

إذا كان مسلسل «الملك فاروق» سيتناول قصة آخر حكام أسرة محمد علي، وتدور أحداثه بين قصور الملوك، فالوضع مختلف بالنسبة إلى «عمارة يعقوبيان» و«المصراوية» حيث الأحداث تنطلق من قلب القاهرة وأرض الفلاحين. في النسخة التلفزيونية من رواية علاء الأسواني الشهيرة، سيتعرف الجمهور لكن باستحياء إلى تحوّلات مصر في النصف الثاني من القرن العشرين بدءاً من التطرف السياسي إلى الفساد. فيما يعيد أسامة أنور عكاشة المشاهد في «المصراوية» إلى عشرينيات القرن الماضي، حيث مصر جديدة بعد ثورة سعد زغلول عام 1919.

هكذا يعتزل عكاشة

يوم أعلن عكاشة أنه سينفّذ آخر عمل يكتبه للدراما، توقع الجميع أن يضاهي «المصراوية» مستوى أعماله السابقة، من «ليالي الحلمية» إلى «الشهد والدموع». هكذا سارع تلفزيون «دبي» إلى شرائه لعرضه حصرياً، فبنى استديوهات خاصة به وعقد مؤتمرات صحافية احتفاء ببدء التصوير. هذه الحماسة ترجمت إنجازاً كبيراً في معدلات التصوير، على رغم طبيعة نص عكاشة المتخم كالعادة بالأحداث والشخصيات. فالعمل يعود بالمشاهد إلى مصر في عشرينيات القرن الماضي، وهو ما استلزم بناء قريتين كاملتين لتصوير الأحداث.
جولة قصيرة في شوارع القريتين ومنازلهما، تكشف مدى عناية المخرج إسماعيل عبد الحافظ باختيار ديكورات ضخمة تعكس بدقة هذه الحقبة من تاريخ مصر. هو رفض الاستعانة بقرى مدينة الإنتاج الإعلامي، «لعدم تميزها»، الأمر الذي ضاعف ميزانية المسلسل من دون أن يعترض أحد من مسؤولي قناة «دبي». لذا، تراه يتابع مع فريق الصيانة مهمة الإشراف على الديكور، وإبعاد أي أثاث أو لباس قد يدلّ على الحداثة. وأوضح لنا عبد الحافظ الذي كان يرتدي كالعادة «جلابية» أثناء التصوير، أنّ فريق العمل اختار بعناية أزياء الفلاحين، قائلاً: «يرصد العمل الفروق الطبقية بين العمدة وفلاحي محافظة كفر الشيخ (مسقط رأس عكاشة)، في منطقة الدلتا. لذا خصّص فريق الإنتاج خزانات ملابس خاصة لكل ممثل تفادياً لأي خطأ)». الإنجاز في معدلات التصوير مرتبط بأمور عدة، أولها قدرة اسماعيل عبد الحافظ على التعامل مع نص رفيق النجاح. أضف الدعم الكامل من تلفزيون «دبي» وكثرة الممثلين، وهو ما ساعد المخرج على تنظيم جدول يضمن عدم توقف العمل في حال غياب أحد الأبطال. وخلال أسبوعين، ينهي تصوير حلقات الجزء الأول، ليتفرغ قبل رمضان لمونتاج الحلقات التي ستطير تباعاً إلى دبي.
وقد سبق للكاتب والمخرج أن قدما قصصاً شبيهة في «ليالي الحلمية» (1989ـــــ1994) بأجزائه الخمسة، إلا أن التركيز على الشقّ السياسي سيكون سمة المسلسل الحالي.
لذا، يجد الثنائي تحدّياً في إعادة مسلسلات الأجزاء إلى الواجهة، في وقت انتشرت فيه الأعمال القصيرة والحلقات. كذلك تلفزيون «دبي» يريد أن يثبت قدرته على إنتاج عمل درامي مصري ضخم، بعدما تخلّت الجهات المصرية عن دورها. وهو ما ينطبق على عكاشة الذي يقدم لجمهوره مسلسل الاعتزال، رافعاً سقف التحدي «سيكشف العمل للجمهور زيف معظم الأعمال الدرامية التي فرضت نفسها على الساحة بقوة النجوم والمنتجين، لا المضمون».
هشام سليم تحوّل بطلاً مطلقاً في دور «العمدة» الذي بقي لسنوات محفوظاً لصلاح السعدني. كذلك غادة عادل تقدم أول بطولة فعلية لها في التلفزيون، بعدما أثبتت موهبتها في فيلم «في شقة مصر الجديدة». والمعروف أنها ستظهر في «المصراوية» بدور الزوجة الثالثة للعمدة «فتح الله» بعد نورهان وروجينا. ويطلق عليها أهل القرية لقب «المصراوية» لأنها جاءت من القاهرة (أو مصر، كما يسميها الفلاحون). وصُوّر فيلم تسجيلي عن عملية بناء القريتين، لبثّه خلال رمضان، «حتى يتعرف المشاهد إلى المجهود الذي بذلناه لتنفيذ عمل سيمتد لأربع سنوات أخرى». وفيما أعلنت الشركة المنتجة «عرب سكرين» أنها اشترت من عكاشة حق طبع السيناريو وتوزيعه في كتاب، سيغنّي علي الحجار، مقدمة المسلسل، من كلمات سيد حجاب وألحان عمار الشريعي.

ماذا يحصل داخل العمارة؟

في «عمارة يعقوبيان» أيضاً، اتبّع المخرج أحمد صقر كل الحيل الفنية لينجز تصوير المسلسل في الوقت المناسب. وعلى رغم أن الشركة المنتجة، أكدت أن العمل لن يعرض إلا في رمضان 2008، فإن الظروف تبدّلت، إذ جهز فريق العمل وانتهى صقر من تنفيذ مسلسله الرمضاني الثاني «نقطة نظام». ويعمل حالياً على نظام الجمع بين موقعي تصوير، معتمداً على كفاءة مساعدين في تجهيز المشاهد. إذ يصور اللقطات الداخلية لشقق محمد عزام (صلاح السعدني)، وزكي الدسوقي وشقيقته دولت (عزت أبو عوف ولبنى عبد العزيز) داخل استديو «طارق نور» في مدينة «السادس من أكتوبر». فيما يصور المشاهد الخارجية في شوارع وسط المدينة بين بثينة السيد (روجينا)، وطه الشاذلي (آسر ياسين). هو يسابق الوقت، خصوصاً أن قناة «الساعة» اللبنانية و«الغد» الأردنية بدأتا بثّ إعلانات عرض المسلسل في رمضان، إضافة إلى قناة «المستقبل» اللبنانية.
وكان المخرج قد طلب من الشركة المنتجة «كينغ توت» عدم إعطاء الفنيين أي إجازات، حتى يوم الجمعة. كذلك انتزع وعوداً من نجوم العمل بالتفرغ التام حتى نهاية التصوير. علماً أن المتفرغة الوحيدة هي لبنى عبد العزيز التي تعود إلى التمثيل بعد غياب أربعين عاماً في دور يمثّل تحدياً للممثلة المخضرمة.
يُذكر أن الرواية (والفيلم) لم يجمعا يوماً الحاج عزام ودولت الدسوقي. لكن سيناريو عاطف بشاي اعتمد على تشابك العلاقات بين سكان العمارة، لتقديم مسلسل يحاكي مزاج جمهور التلفزيون الذي لم يعتد خطوطاً منفصلة خاصة بكل شخصية.
في استديوهات التصوير، أوضح بشاي لـ«الأخبار» أنه أراد الإفادة من الأبعاد الدرامية لشخصيات لم يمنحها الفيلم حقها، خصوصاً شخصية طه الذي تمنى دخول كلية الشرطة لكن ظلم المجتمع حوّله شاباً متطرفاً. وأضاف بشاي العديد من الشخصيات بين سكان سطوح العمارة لمزيد من الثراء الدرامي والترابط المنطقي، ولم يخف أنّه تعمد حذف كل ما يمكن أن تعترض عليه الرقابة: الصحافي الشاذ تحول إلى فاسد، والسياسي المستغل (كمال الفولي) سيغيب عن الأحداث. كذلك اكتفى بالايحاء فقط خلال مشاهد الجنس، حتى لم تجد الرقابة شيئاً تعترض عليه سوى كلمة «الحكومة الكافرة» التي حذفت أصلاً (راجع «الأخبار»، عدد 30 أيار (مايو)).