strong>ماذا يحدث في كواليس مهرجانات الصيف العربية؟ الفضائح تقضّ مضاجع إداراتها من المحيط إلى الخليج... الجمهور امتنع عن حضور بعض الحفلات رغم كل الإغراءات، عروض أُلغيت في اللحظات الأخيرة، ومعارك قضائية اندلعت بين اللجان المنظمة والفنانين... هل آن الأوان لجردة حساب تكشف التغييرات التي طالت الذائقة العامة؟
إنّه صيف الفضائح بامتياز! المهرجانات العربية من القاهرة إلى تونس، ومن قرطاج إلى جرش لا تزال تحاول الاستيقاظ من الصدمة والتقاط أنفاسها. الجمهور تخلّى عنها والفنانون راحوا يشترون بطاقاتهم ويوزّعونها على الناس، فما الذي جرى؟

«قرطاج» لـ «روتانا»: لا تقولي وداعاً

أسدل الستار مساء أمس على الدورة 43 لمهرجان «قرطاج» الدولي مع عرض لفرقة «الرشيدية» بقيادة الفنان زياد غرسة. ومع نهاية الدورة، ينتهي عقد التعاون بين شركة «روتانا» و«وزارة الثقافة والمحافظة على التراث» المشرفة على المهرجان العريق. وبعدما رأى كثيرون أن «استيلاء» الشركة السعودية على عروض المهرجان، كان سبباً لخفوت بريقه، انقلبت الآية هذا العام. إذ نجح مطربو الشركة في استقطاب جمهور عزف عن باقي حفلات المدرّج الروماني. ولعلّ ذلك يعود إلى حسن اختيار «روتانا» لفناني حفلاتها: البداية كانت مع حسين الجسمي (شاركته في الحفلة المغربية أسماء المنور) الذي غنى في تونس للمرة الأولى، وتدافع الجمهور إلى حفلته. ثم نوال الزغبي التي عادت إلى قرطاج بعد غياب دام 8 سنوات، (شارك معها العراقي ماجد المهندس). كذلك شيرين عبد الوهاب (بمشاركة اللبناني ريان)، التي نفدت تذاكر حفلتها قبل الموعد. وكذلك فضل شاكر وأمل حجازي، إذ بيعت التذاكر في السوق السوداء، بعدما وصل سعر البطاقة إلى 65 دولاراً أميركياًعلماً بأن السوق السوداء شهدت حركة بيع نشطة لحفلة الكوميدي المغربي جاد المالح وراوحت الأسعار بين 40 و65 دولاراً، على رغم أنّ إدارة المهرجان منعت شراء أكثر من 3 بطاقات للفرد الواحد. وفي اتصال مع المدير التنفيذي للدورة الأخيرة، نفى عبد الرحمن البناني الخبر الذي تسرب في الأوساط الصحافية عن أن عدد التذاكر التي تم شراؤها من نقاط البيع لحفلة لطيفة لم يتجاوز 526 بطاقة، بينما غصت المدرّجات بالناس. أما كاظم الساهر فعاد الى «قرطاج» بعد غياب، وغنى لثلاث ساعات تقريباً...
وواجهت مهرجانات تونس الأخرى أزمة حقيقة هي غياب الجمهور. ولعلّ مقتل 7 شبان في حفلة «ستار أكاديمي» قبل أشهر، أرخى بظلاله على مهرجان «صفاقس» الدولي الذي ألغى أول من أمس بقية عروضه، باستثناء حفلة الختام. وعزا بعضهم هذا القرار إلى الخسائر المادية التي تكبّدها، فحفلة فضل شاكر لم يحضرها سوى بضع مئات، كما ألغت شيرين ونانسي عجرم سهرتيهما تجنّباً لأي فضيحة. وتكبدت مهرجانات تونسية أخرى (تطلق على نفسها صفة دولية) خسائر فادحة، بينها «بنزرت» حيث ألغيت حفلة راغب علامة قبل 4 ساعات من العرض، بحجة أنه لم يبع سوى 25 بطاقة. فما كان من مديرة أعمال علامة في تونس، حسناء السويسي، إلا أن أعلنت رفع دعوى قضائية ضد الهيئة الإدارية للمهرجان، معتبرةً أن القرار أساء إلى صورة المطرب اللبناني. وقد ألغى المهرجان عرض فضل شاكر للسبب نفسه. مهرجان «قفصة» لم يكن أفضل. إذ فشلت حفلات كثيرة، لعلّ أبرزها أمسيتي أمينة فاخت وفرقة «جيل جيلالة». وذلك بخلاف مهرجان «الحمامات» الذي حققت عروضه النجاح، مثل مسرحية «خمسون» للفاضل الجعايبي، و«حكيم واحد منا» لجعفر القاسمي وحفلتي كارول سماحة وسنية مبارك. يذكر أخيراً أنّها المرة الأولى التي تشهد فيها مهرجانات تونس هذه الخسائر، ما دفع بعض المثقفين إلى مطالبة رؤساء المهرجانات بالاستقالة...

ليالي «جرش» الحزينة

هذا الصيف لم يكن ساخناً على مدرّجات «جرش» الذي احتفل بدورته الـ 25 وشهدت فعالياته مفاجآت كثيرة، بدأت مع عزوف الجمهور وانتهت بظهور صحافية إسرائيلية، تعبّر عن حبّ يهود إسرئيل لنانسي عجرم! وبعد الكثير من التعثّر، تذكرت إدارة المهرجان الذي يختم فعّالياته اليوم بحفلة للأردني عمر عبداللات، أن تفسخ عقدها مع شركة «الجسر الذهبي» الأردنية التي أوكلت إليها مهمة نقل سياح «عرب الـ48»، بعدما أسندت هذه الأخيرة تنفيذ مهمة الحملة الإعلانية إلى شركة إسرائيلية. وعلى ضوء ذلك، أطلقت شركة «بليفون» الإسرائيلية حملة إعلانية تحت شعار «بليفون بتاخذك بنص السعر لمهرجان جرش». إذ بيعت التذاكر بسعر 100 شيكل (33 دولاراً أميركياً) للبطاقة الواحدة، ‏وحظي زبائن «بليفون» بخفض 50 في المئة، ورغم ذلك لم يغر العرض أحداًوكان «جرش» يعوّل كثيراً على حفلات المسرح الجنوبي التي وجّه إليها الجمهور هذا العام ضربة قاضية، وخصوصاً مع ارتفاع أجور الفنانين. إذ تقاضت لطيفة التونسية وحدها 70 ألف دولار، على رغم أن عدد تذاكر حفلتها المبيعة وصل إلى خمسين فقط. وكذلك الأمر لحفلتي هاني شاكر ووديع الصافي مع خوسيه فرنانديز. أما نانسي عجرم ونجوى كرم فأنقذتا «جرش»، وتجاوز حضور حفلة عجرم خمسة آلاف شخص، وحضور كرم الألفين. وامتلأت المدرجات في حفلتي كاظم الساهر وماجد المهندس. ويبدو أنّ سمعة الحفلات الخالية من روّادها أرعبت فنانين، لم تكن مشاركتهم قد حانت بعد. هكذا ألغى بشار زرقان حفلة له على مدرّج المسرح الشمالي فيما اشترى الفنانون الأردنيون تذاكر حفلاتهم كاملةً، ووزّعوها على الناس!

الجزائر والمغرب والإرهاب

بين صوت التفجيرات الإرهابية وصوت الموسيقى، عاش الجزائريون صيفاً حاراً على جبهتين: جبهة عبد الودود دروكدال زعيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وجبهة الفنانين الذين لم تثنهم ما تناقلته الأخبار الأمنية عن إحياء مختلف المهرجانات التي احتضنها بعض ولايات الجزائر.
كاظم الساهر، أصالة، بشوق، الشاب خالد، لطفي بوشناق، فلة، صابر الرباعي، عبد الهادي بلخياط، إيهاب توفيق، رضا العبدالله، الشاب جيلاني، وائل جسار، كارول سماحة، رامي عياش، وحتى لارا فابيان... غنوا على مسارح تيمقاد، جميلة، الكازيف، الجزائر، وهران، قسنطينة... كما نظّمت مهرجانات الرايالأغنية الأندلسية، الأغنية الشرقية، الجاز... وخلال هذه المهرجانات، وقع حادث الأخضرية وتناقل الإعلام المحلي خبر استعمال الجيش للطائرات في الجبال الشرقية لقصف معاقل الإرهابيين فيها. مع ذلك حقّق مهرجان الجاز الذي احتضنته قسنطينة (وهي مدينة داخلية) رقماً قياسياً في المشاركة من مختلف دول العالم. أما في المغرب، فشهدت أمسيات الرباط، الدار البيضاء، وطنجة حفلات تجارية ناجحة. وأقام لطفي بوشناق، وائل جسار، رامي عياش، حسين الجسمي أمسيات ناجحة، فيما رافق الحظّ العاثر هيفا وهبي ونانسي عجرم فألغيت حفلتاهما في أغادير لأسباب قيل إنّها تعود إلى مماطلة الجهات المعنية بمنح التراخيص.

صيف مصر من دون حفلات

كما خرج التلفزيون المصري من لعبة الإنتاج الدرامي، أعفى نفسه من تنظيم حفلات ناجحة خلال الصيف. وبعدما كانت ليالي التلفزيون تنافس حفلات «ليالي أضواء المدينة» العريقة التي تنظّمها الإذاعة المصرية، غابت أمسيات «المدينة»، فيما ظلّت الأولى حاضرة على استحياء، وتنظّم على طريقة الموظفين. إذ تبرمج إدارة التلفزيون حفلات خلال الصيف، وتؤمّن لها ما تيسر من الدعاية، ثم توزّع أكثر من نصف التذاكر مجاناً، وتبثّ الحفلة مباشرة على الهواء. حتى إن جمهوري أنغام وكارول سماحة، نجمتي حفلتي الليالي الشهر الماضي، عرفا بالخبر من الصحافة. وبذلك، أصبحت الساحة خالية أمام الشركات الخاصة التي ترتبط بعلاقات مع النجوم الشباب، وتسوّق لهم. وتتجه الأنظار خلال الصيف إلى مسارين: أوّلهما حفلات الشواطئ في الإسكندرية والساحل الشمالي، وبعضها يقام نهاراً، وخصوصاً في مجمع «المارينا». أما المسار الثاني فيعتمد على حفلات الفنادق القاهرية حيث تسيطر أصوات الخليجي، مثل محمد عبده ورابح صقر وحسين الجسمي. وهذا الأخير فوجئ أول من أمس بإلغاء حفلة في فندق «سميراميس» دون إعلامه بالأسباب.

خريف صلالة... للخليج فقط

على رغم استقطاب مدينة صلالة العمانية لسياح الخليج هذا العام، لم ينعكس انتعاش الحركة السياحية على الأنشطة الفنية لمهرجان «خريف صلالة». هذا المهرجان الذي يستقطب تسعة عروض تختتم نهاية هذا الشهر، احتضن أيضاً مسابقة «نجم العرب» التي لم تحقق الصدى المطلوب لدى جمهور الشباب، على رغم أنه يشهد منافسة بين مشتركين سابقين من «ستار أكاديمي» و«سوبر ستار». وقد عانى البرنامج والمهرجان غياب الأسماء الكبيرة، وإن كان منطقياً الاستعانة بنجوم يحبّهم جمهور الخليج مثل ماجد المهندس وعبد الله بالخير وعيضة المنهالي، ونوال الزغبي وديانا حداد...

سوريا... عاصمة فنية!

كانت سوريا هذا العام قبلة الفنانين العرب بامتياز. المهرجانات التي أقيمت احتفاءً بتجديد البيعة للرئيس بشار الأسد طغت على كلّ الحفلات، محققّة سبقاً لا مثيل له حيال المهرجانات السنوية التقليدية التي تمثّلت هذا الموسم بـ مهرجان «بصرى الدولي» المتخصصّ بالفرق الشعبية. أما مهرجان «القلعة والوادي» فاستعان بكاظم الساهر ونانسي عجرم ووائل كفوري، وجورج وسوف ونجوى كرم، وفضل شاكر ونوال الزغبي وحسين الجسمي وأصالة. كذلك ألغى مهرجان «المحبة» في اللاذقية فعّالياته بعدما واجه المنظّمون مشاكل مالية تتعلق بضعف الإقبال الجماهيري وعدم توافر الإعلانات لتمويل المهرجان، ما أدى إلى إلغائه بعد حفلة الافتتاح مع وليد توفيق.

إعداد: حسان طاهري (تونس)، نوال العلي (عمّان)، بسمة كراشة (الجزائر)، محمد عبد الرحمن (القاهرة)، خليل صويلح (دمشق)، وفاطمة داوود (بيروت).