بشير صفير
ول فرقة «راب» فلسطينية تبصر النور في أحد المخيمات اللبنانيّة. اليوم تلتقي جمهورها في نادٍ موسيقيّ معروف قرب بيروت، وقريباً تطلق باكورتها بعنوان «أهلاً فيك بالمخيمات». تتناول أغنياتها يوميات المخيم، وقصص الفقر والحرمان والتهميش... وصولاً إلى «نهر البارد»

إذا كانت فرقة «دام» أشهر فرق موسيقى الـ RAP في فلسطين المحتلة، وخصوصاً بعد إطلاقها أسطوانة «إهداء» التي عُرفت عربياً على مستوى الجمهور العربي، فإن «كتيبة 5» هي أول فرقة موسيقى راب فلسطينية تولد من رحم المخيمات في لبنان،تها إلى العلن. تضم الفرقة خمسة شبان في العشرين من العمر، تشكّل الموسيقى محور علاقتهم بالمجتمع (وببعضهم)، فيما تتفاوت اهتماماتهم بين التحصيل الجامعي والعمل اليومي.
بعد الجامعة والعمل، يلتقي الشباب في سجنهم الكبير، ليكتبوا نصوصهم ويؤلفوا الموسيقى بإمكانات تكاد تكون معدومة. هم مثل عصفورة الشجن يغنون، هم مثل عينيها بلا وطن. لكن هل هناك أفضل من المخيم حضناً تنطلق منه موسيقى الراب، وخصوصاً حين تختار تلك الموسيقى أن تلتصق بهويّتها، أي أن تكون «حقيقية»؟ هناك، حيث يتنوّع غذاؤها بين فقر وحرمان وتهميش ومعاناة وفقدان للحرية ولأبسط حقوق الإنسان.
كثرت التجارب التي تصبّ في خانة ثقافة الراب في لبنان منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي. وقد نجحت في خلق حالة خاصة، من خلال تقديم أعمال مميّزة وذات مستوى عالمي من حيث الجودة الموسيقية نسبة إلى الفرق الأجنبية، لكنّها تفاوتت في صدقيتها. إذ إن بعضها يشكّل هواية متقنة لطلاب جامعات غاضبين من الوضع السياسي ــــ الاجتماعي اللبناني وآفاته الموروثة والمستجدة، ولو أن هؤلاء ينتمون إلى شريحة اجتماعيّة تخفّف حدّة معاناتهم من الواقع المحيط!
هنا يكمن الفرق بين الاختيار المرفّه و«الثقافي» لموسيقى الراب، وبين تجربة طبقيّة واجتماعيّة ووطنيّة وإنسانيّة خاصة، فرضت نفسها على فنانين شباب في «الهامش»، فعبّروا عن أنفسهم من خلال اللغة الفنيّة المطابقة لثورتهم، وأقرب الأشكال الموسيقية إليهم، أي الراب! يستقبل أعضاء فرقة «كتيبة 5» زائرهم على سطح أحد الأبنية الفقيرة العشوائية التصميم في مخيم البرج، بعد مسيرة قصيرة تضيق طريقها تدريجاً من الشارع إلى الأزقّة... فالسلالم. يتحدثون في السياسة والحالة الاجتماعية والموسيقى بجدية تارة، وبسخرية سوداء تارة أخرى... وفي كلتا الحالتين يظهرون وعياً كبيراً وموضوعية استثنائية في التحليل والمتابعة الحثيثة لأوضاع المخيمات، والوضع السياسي في لبنان وفلسطين المحتلة والعالم. يتحدثون في الموسيقى، ولا سيما الراب العالمي والمحلّي. ويذكرون فرقاً موسيقية معاصرة ومغمورة لفلسطينيّي الشتات، يتابعون نشاطها الفني ويتواصلون معها. كما يولون اهتماماً بالسينما العربية والعالمية الحديثة التي تتعلق بفلسطين والفلسطينيين، ويفكّكون النيات الترويجية لبعض الأعمال التي تخدم مصلحة إسرائيل وتتلاعب بالحقائق... الشيء الوحيد الذي لا يتطرقون إليه هو بؤسهم وشظف الحياة داخل المخيم، مصدر وحيهم الفني الوحيد، والابتسامة لا تغيب عن وجوههم. فالضيف يجب أن يشرب فنجان القهوة ويستريح، ولا يوجع رأسه بمعضلات «الغيتو» خلال زيارة عابرة تبعده مؤقتاً عن مشاغله خارج المخيّم.
يتحمّس نادر (الملقب بـ«موسكو») فيتخذ فجأة وضعية مستنفرة، ليسمعنا أغنية لم ينتهِ من كتابتها بعد. يبدأ يسري (الملقب بـ«NCY») بإصدار صوت إيقاعي إلكتروني/ بشري من فمه، ويلاقيه عمرو (الملقب بـ«س ــــ 4») لتضخيم الإيقاع. هنا يدخل نادر مؤدياً كلاماً مقفّّىً رتيب النغم، ويلاقيه طارق (الملقب بـ«جزار») بفواصل كلامية داعمة. أما العضو الخامس بوبو الذي يعطي الفرقة نكهة جذور موسيقى الراب ببشرته السوداء، فيستمع مبتسماً بهدوء.
أسّس الفرقة عمرو ونادر عام 1999، وكانت تحمل اسم RAPـNAME، وانضم إليها الأعضاء الثلاثة الآخرون عام 2000 واتخذت منذ ذلك الحين اسم «كتيبة 5» (نسبة إلى عدد أعضائها).
تطوّرت الفرقة في السنوات الأخيرة وأصبحت لديها أعمالها الخاصة التي تتميّز بالنضج. يكتب كلماتها الأعضاء الخمسة، ويتولى كل منهم أداء كلماته في الأغنية الواحدة، ويتناولون مواضيع من صميم قضيتهم ومعاناتهم، بدءاً من الحلم الفلسطيني بالعودة ويوميات المخيمات، و«السرقات» المنظّمة التي تُقدِم عليها الجمعيات باسم القضية... وصولاً إلى البطالة والتعليم والطبابة والسكن والجوع المنظَّم الذي يدفع إلى الاستسلام وتقديم التنازلات، كما يدعون إلى الاتحاد قبل فوات الأوان.
أما أسلوبهم في تأليف الموسيقى، فيتميز في معظم الأحيان بالجملة اللحنية القصيرة، الجميلة، السهلة والمتكررة، يرافقها أداء أفقي ثابت للكلمات على غرار أغاني الراب من جهة وأداء نغمي لبعض الكلام وفقاً للنغمة الموجهة للأغنية من جهة أخرى. ويستعملون لصنع مادتهم الموسيقية علبة الإيقاعات وبرامج الكومبيوتر، بالإضافة إلى الكيبورد وبعض الآلات الحية في ما ندر ويقومون بتسجيلها في «استويو» أحد الأصدقاء، يطلقون عليه اسم «المخيمات».
قدمت فرقة «كتيبة 5» حفلات عدة في النبطية وقصر الأونيسكو، ومخيمي شاتيلا والبرج، ونادي Basement البيروتي، وتعود اليوم إلى نادي NOVA في سن الفيل، لتقديم حفلة وحيدة قبيل إطلاق ألبومها الأول المتوقع صدوره بعد شهر (سيحمل عنوان «أهلاً فيك بالمخيمات»)، ويضم مجموعة أغنيات عملت عليها الفرقة خلال السنوات الخمس الماضية.
مساء اليوم، تلتقي فرقة «كتيبة 5» بجمهور من خارج بيئتها، ربما لن يفهم ما تعنيه بعض العبارات الواردة في أغانيها... لكنه لن يكون غريباً عن نمطها الموسيقي طالما أنّه من متذوقي الراب. تفتح «كتيبة 5» الحفلة التي تشارك فيها أيضاً فرقة Campbell الأميركية. كما ستقدّم فرقة «أشكمان» اللبنانية أعمالها خلال الأمسية نفسها، وهي فرقة زميلة لـ«كتيبة 5»، أصدرت باكورتها منذ بضعة أشهر، وتقف على أرضيّة اجتماعيّة مختلفة، من حيث البيئة التي تتحدّر منها... إذاً حفلة اليوم هي اجتماع الأضداد تحت عنوان واحد: موسيقى الراب.

كتيبة 5» الليلة في نادي Nova
سن الفيل، هاتف: 03،677288





أسطوانة أولى تُقرأ من عنوانها

بعد سبع سنوات على تأسيسها، وحفلات أحيتها داخل المخيمات وخارجها، تتحضر فرقة «كتيبة 5» التي تقدم موسيقى الراب من مخيم البرج للاجئين الفلسطينيين، لإصدار باقة من أغانيها الخاصة في ألبوم يبصر النور بعد شهر بعنوان «أهلاً فيك بالمخيمات».
الأسطوانة تقرأ من عنوانها، وكلمات الأغاني تحيل مباشرة إلى الواقع المعيش. إذ إنّ النصوص التي يكتبها أعضاء الفرقة الخمسة، تصف الأوضاع في المخيمات الفلسطينية في لبنان من مختلف الجوانب، بأسلوب صريح ولاذع من دون أدنى تحفظ.
يتقن أعضاء الفريق لعبة موسيقى الراب، أكان في الكلمات أو في طريقة أدائها، والإيقاع الموسيقي المرافق لها. ويفردون مساحة للجملة النغمية الجميلة غناءً وموسيقى، كما يعتمدون اللكنة الفلسطينية في الجزء الأكبر من النصوص... باستثناء قصيدة غاضبة كتبها بالنحوية عبد الرحمن جاسم شقيق أحد أعضاء الفرقة (س ــ 4) ويؤديها بصوته. هذا إضافة إلى بعض الجمل باللغة الإنكليزية. كما تضم الأسطوانة أغاني قديمة للفرقة، تمّ تعديل بعضها كلاماً وموسيقى، كي تعطي الصورة الأكمل لما وصلت إليه “كتيبة 5” على المستوى الفني في مجال موسيقى الـ RAP. كما تتضمن الأسطوانة أغنية من وحي أحداث نهر البارد الأخيرة... وهي عبارة عن تسجيلات آراء للنازحين من المخيم المنكوب، قام أعضاء الفرقة بجمعها وترتيبها وتقطيعها وتقديمها على خلفية إيقاعية من دون إضافة كلام عليها.
أما الأغنية التي تحمل الأسطوانة «أهلاً فيك بالمخيمات» فقد قامت الفرقة بتصويرها على شكل فيديو كليب داخل مخيم برج البراجنة، وتولت بنفسها عملية الإنتاج في غياب «متوقع» لأي منتج يمكن أن يشكل مشروع مماثل موضع اهتمام لديه. نجحت “كتيبة 5” في إعطاء صورة طبق الأصل عن المخيمات في ألبومها، لتكون شهادة عن المعاناة التي يعيشها شعب كامل منسيّ بين هلالين. لكن الصورة الأكثرة نقاوة، والأشد إيلاماً، تبقى تلك الزيارة إلى أحياء البؤس، حيث تأخذنا الفرقة لتحسُّس ما يستحيل على الأغنية، والفن عموماً، أن يعبّرا عنه.