strong> فرح داغر
مَن ذهب لرؤية المنجنيق ينطلق من جبيل، أصيب بلا شك بالخيبة. «زنوبيا» التي حطّت رحالها، أول من أمس، في ميناء بيبلوس القديم بعدما انطلقت من دبي في الربيع الماضي، بإنتاج ضخم، أدهشت الجميع بالضخامة الموسيقية والمشهدية التي اكتنفتها من غناء ورقص وتمثيل وأزياء غنية وديكورات.
في النسخة اللبنانية، قُلّص عدد الخيول واستعيض عن المنجنيق بالألعاب النارية، ولم تحرق قرى كاملة كما حصل في دبي. عدا هذه التغييرات، ظلّت «زنوبيا» بنسختها اللبنانية كما هي المسرحية الملحمية التاريخية الغنائية التي وضعها منصور الرحباني وأخرجها مروان الرحباني. فيما تناوب على التلحين والتوزيع غدي وأسامة ومروان وإلياس الرحباني، حافظت على الضخامة المشهدية والاستعراضية وعنصر الإبهار، على حساب المسرح، وعلى حساب الغناء والموسيقى أيضاً.
الحكاية باتت معروفة: زنوبيا (كارول سماحة) ملكة تدمر جلست على العرش بعد اغتيال زوجها، وصار بلاطها ملتقى الشعراء والفلاسفة وملجأً للمضطهدين. ومن ذلك البلاط، انطلقت شرارة التمرّد الأولى على الإمبراطورية الرومانية. وقفت زنوبيا في مواجهة أورليانوس قيصر روما (أنطوان كرباج) بجبروته وطغيانه، لتحرّر الشرق من سلاسل العبودية والظلم والطغيان. الضخامة المشهدية قابلها حوار هزيل، دانى في بعض الأحيان السذاجة في خطابيته المباشرة، أو دروس الوعظ التي تحيل إلى راهننا السياسي. فيما كان المسرح اللبناني العريق يعرف كيف يخفي الوعظ في طيات اللعبة الفنية. أما هنا، فالإسقاطات السياسية للحدث التاريخي على الحالة اللبنانية الراهنة أتت عن طريق «لطشات» سطحية واضحة ومباشرة، فيما لم تأخذ موقفاً واضحاً وصريحاً من الصراع السياسي الدائر على مستوى المنطقة.
أما اللوحات الراقصة، فبدت مستهلكة، مكرورة، كأننا شاهدناها مئات المرات قبلاً. فيما جاءت الموسيقى أوركسترالية كما كان متوقعاً لتتناسب مع ضخامة الحالة الاستعراضية للمسرحية. وعزفت الموسيقى الأوركسترا الوطنية اللبنانية، وشارك في العزف الخشبيات والأبواق من أوركسترا مدينة كييف الأوكرانية. وتخللت المسرحية أغنيات ذات لون بدوي، إضافة إلى الموشّح الأندلسي ليتناسب مع التاريخ الموسيقي للمنطقة الجغرافية التي تدور فيها أحداث المسرحية. كما ورد لحن ماروني قديم، أقيمت عليه بعض الإضافات في الأغنية الترحيبية التي استقبل بها اللبنانيون زنوبيا لدى زيارتها لبنان. أما الموسيقى الأكثر ضخامة فكانت بطبيعة الحال المارشات التي رافقت حركة الجيوش على المسرح، إضافة الى موسيقى الحرب وحالات الخطر. لكنّ المؤكّد أن المشاهد لن يتذكّر، بعد خروجه من المسرحيّة، أية أغنية من الأغنيات الكثيرة التي سمعتها. زنوبيا التي تمرّدت على حضارة الحديد، انهزمت في النتيجة، وقيّدت إلى أورليانوس... لكنّها دخلت التاريخ من بابه العريض كأول صرخة حرية في الشرق. هل يمكن أن نقول الكلام نفسه عن النسخة الرحبانيّة من ملك تدمر؟ هل ستدخل «زنوبيا» التاريخ الرحباني حقّاً؟

«زنوبيا» مساء اليوم حتى 21 الشهر الجاري ضمن مهرجانات بيبلوس
للاستعلامات والحجز 09،542020