ثلاثة أشهر في عراق ما بعد الاحتلال قادت هاشم شفيق إلى هجرة معاكسة. لم يجد دجلة التي حلم بها قبل عودته (المظفرة؟) إلى بغداد. بيت العائلة أصابته طائرة أميركية، ومقاهي شارع الرشيد ودّعت صخب الشعراء. هكذا وجد نفسه مرة أخرى في عراء روحي، مبعثراً بين المنافي. في لندن، مكان إقامته منذ ربع قرن، يعيش عزلة من نوع آخر، يقاومها بالكتابة والتجوال. أنجز إلى اليوم 17مجموعة شعرية، كما صدرت أعماله الشعرية الكاملة (2005)، وسيرة ذاتية كتبها شعراً بعنوان «البحث عن الزمن الحاضر» فوجئ بمنع نشرها في «دائرة الشؤون الثقافية» في بغداد، إذ اشترطت الرقابة حذف مقاطع منها بذريعة خدش الحياء العام. ويقول صاحب «إعادة نظر» غاضباً : «لم تكن رقابة النظام السابق بالقسوة ذاتها، لكن مَن يحكم الثقافة العراقية اليوم هم أشد ظلامية وأكثر جهلاً، إنّهم حفنة من الإسلاميين والشيوعيين المندثرين». شاعر غزير حقاً، لكن قصائده تشبه منديلاً مطرّزاً أو أغنية. كأنما بإبرة دقيقة وخيط من حرير يستشف مناخاته ومراياه ورنين الخطى. ديوانه «حميميات» خلاصة لصبواته وحرائقه ورؤاه «أخفيت مراياك بسرداب وسط خزائن كيلا ينظر فيها أحد». إنه شعر السكون والهدأة يذهب بعيداً في الصمت، واكتشاف «سواقي النعناع والكرّاث البري والهيل».
في دمشق التي يزورها كل عام، يستعيد هاشم شفيق روحه المنهوبة، يبحث عن حانات لم تعد موجودة، وأصدقاء رحلوا، فيكتشف دمشق أخرى أكثر زحاماً وقسوة، لكنه لا ينكر شغفه بهذه المدينة «كلما أوغلت في الغربة ونأيت تجولاً في المنفى».
«هدأة الهدهد» عنوان ديوانه المقبل (يصدر قريباً عن «وزارة الثقافة» في دمشق)، سيكون «مرثية للمستقبل وانقراض الرقة. إنه أشبه بقصائد الهايكو ذات الضربة الواحدة».