محمد خير
لا جدال في أنّ حسين كمال هو أكثر المخرجين المصريين تنوّعاً، وقد يكمن السبب في تنوع مصادره الدرامية. فهو الأكثر اعتماداً على الأصول الروائية، وأفاد من أفضل كتّاب عصره من «مستحيل» مصطفى محمود إلى «بوسطجي» يحيى حقي، ومن «عذراء» إحسان عبد القدوس إلى «الشوك» الذي لم يزرعه يوسف السباعي مروراً بـ «ثرثرة فوق النيل» حكى عنها نجيب محفوظ.
فيلم الليلة هو العمل الثاني الذي تعاون فيه حسين كمال مع يوسف إدريس عام 1975 بعد «على ورق سوليفان» في السنة نفسها. هنا، يقدّمان «النداهة» عن رواية بالاسم نفسه، يستعير فيها كمال من إدريس نظرته القلقة إلى العالم، واقعيته التي لا تتعارض مع تسامح متفهم للضعف الإنساني. والنداهة في التراث المصري هي إحدى أساطير الريف، العفريتة التي تنادي شبان القرية ليلاً بأسمائهم فيخرجون بحثاً عنها ولا يعودون أبداً. يحافظ المخرج الكبير على مستويات العمق المتعددة في القصة وينقلها إلى الفيلم الذي حقّق حينها نجاحاً جماهيرياً كبيراً. هكذا يمكن المشاهد أن يرى في الشريط حدوتة الفتاة الريفية فتحية التي وافقت على الزواج من حامد الذي يعمل بواباً في القاهرة. ثم نرى ما تتعرض له من صدمات في هذا المجتمع الجديد وهي التي لم تغادر قريتها قبلاً. كذلك يمكننا أن نرى ما هو أبعد من ذلك: الانسان الطبيعي في مواجهة آلة الحضارة، المدنية الشرسة التي لا يمكن الاستغناء عنها ولا الهروب من التشوّهات التي تحدثها في الروح البشرية. المدينة ليست سوى «نداهة» تنادينا ولا نملك أن ندفعها بعيداً. قد نقاوم لكنّنا نعرف أنّنا سنستسلم في النهاية تماماً كما كانت فتحية يراودها كابوس اغتصابها على يد علاء الساكن في العمارة التي أقامت فيها مع زوجها. كان مشهد الاغتصاب نذيراً بما تحقق لاحقاً. لقد كانت فتحية تخشى الاغتصاب وترغب فيه في آن معاً لأنّ البقاء في المدينة يستلزم منها أن تتشوه إلى الأبد ولم يكن ذلك ممكناً سوى باقتحام يلوّث عالمها الرتيب المستقر. المفارقة هنا أن ذلك الاقتحام «الحضاري» لم يتم إلا عنوة. الريف لم يدع المدينة لكنّها حاصرته ثم ابتلعته، كذلك فعل علاء مع فتحية. فعندما أرسل زوجها لشراء بعض الأغراض، اعتدى عليها بطريقة غير «حضارية» بالمرة. أما كون المعتدي علاء يعمل مهندساً للإلكترونيات، فهو مبالغة رمزية واضحة. وكانت المفاجأة أن استطاع حسين كمال أن يسيطر على أداء ماجدة، فامتنعت عن المبالغات وقدمت أداءً متوازناً أمام أداء متفوق لشكري سرحان ومتواضع كالعادة من إيهاب نافع. وكانت أغنية «شيء من بعيد ناداني» لليلى جمال من أبرز جماليات الفيلم وهي ذاتها التي غناها محمد منير فيما بعد.

16:00 على «سينما 1»